لم قدم طلب الرزق على طلب الإطعام ؟ نقول ذلك من باب الارتقاء كقول القائل لا أطلب منك الإعانة ولا ممن هو أقوى ولا يعكس، ويقل فلان يكرمه الأمراء بل السلاطين ولا يعكس، فقال ههنا لا أطلب منكم رزقاً ولا ما هو دون ذلك وهو تقديم طعام بين يدي السيد فإن ذلك أمر كثير الطلب من العباد وإن كان الكسب لا يطلب منهم.
المسألة الثالثة :
لو قال ما أريد منهم أن يرزقون وما أريد منهم من الطعام هل تحصل هذه الفائدة ؟ نقول على ما فصل لا وذلك لأن بالتكسب يطلب الغنى لا الفعل فإن اشتغل بشغل ولم يحصل له غنى لا يكون كمن حصل له غنى، وإن لم يشتغل، كالعبد المتكسب إذا ترك الشغل لحاجته ووجد مطلباً يرضى منه السيد إذا كان شغله التكسب، وأما من يراد منه الفعل لذات الفعل، كالجائع إذا بعث عبده لإحضار الطعام فاشتغل بأخذ المال من مطلب فربما لا يرضى به السيد فالمقصود من الرزق الغنى، فلم يقل بلفظ الفعل والمقصود من الإطعام الفعل نفسه فذكر بلفظ الفعل، ولم يقل وما أريد منهم من طعام هذا مع ما في اللفظين من الفصاحة والجزالة للتنويع.
المسألة الرابعة :
إذا كان المعنى به ما ذكرت، فما فائدة الإطعام وتخصيصه بالذكر مع أن المقصود عدم طلب فعل منهم غير التعظيم ؟ نقول لما عمم في المطلب الأول اكتفى بقوله ﴿مِن رّزْقِ﴾ فإنه يفيد العموم، وأشار إلى التعظيم فذكر الإطعام، وذلك لأن أدنى درجات الأفعال أن تستعين السيد بعبده أو جاريته في تهيئة أمر الطعام، ونفي الأدنى يستتبعه نفي الأعلى بطريق الأولى فصار كأنه تعالى قال : ما أريد منهم من عين ولا عمل.
المسألة الخامسة :
على ما ذكرت لا تنحصر المطالب فيما ذكره، لأن السيد قد يشتري لعبد لا لطلب عمل منه ولا لطلب رزق ولا للتعظيم، بل تشتريه للتجارة والربح فيه، نقول عموم قوله ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ﴾ يتناول ذلك فإن من اشترى عبداً ليتجر فيه فقد طلب منه رزقاً.
المسألة السادسة :


الصفحة التالية
Icon