تعليلاً لما تقدم من الأمرين، فقوله ﴿هو الرزاق﴾ تعليل لعدم طلب الرزق وقوله تعالى :﴿ذُو القوة﴾ تعليل لعدم طلب العمل، لأن من يطلب رزقاً يكون فقيراً محتاجاً ومن يطلب عملاً من غيره يكون عاجزاً لا قوة له، فصار كأنه يقول ما أريد منهم من رزق فإني أنا الرزاق ولا عمل فإني قوي وفيه مباحث الأول : قال :﴿مَا أُرِيدُ﴾ ولم يقل إني رزاق بل قال على الحكاية عن الغائب ﴿إِنَّ الله﴾ فما الحكمة فيه ؟ نقول قد روي أن النبي ﷺ قرأ ( إني أنا الرزاق ) على ما ذكرت وأما القراءة المشهورة ففيها وجوه الأول : أن يكون المعنى قل يا محمد ﴿إِنَّ الله هُوَ الرزاق﴾ الثاني : أن يكون ذلك من باب الالتفات والرجوع من التكلم عن النفس إلى التكلم عن الغائب، وفيه ههنا فائدة وهي أن اسم الله يفيد كونه رزاقاً وذلك لأن الإله بمعنى المعبود كما ذكرنا مراراً وتمسكنا بقوله تعالى :﴿وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ﴾ [ الأعراف : ١٢٧ ] أي معبوديك وإذ كان الله هو المعبود ورزق العبد استعمله من غير الكسب إذ رزقه على السيد وههنا لما قال :﴿مَا خَلَقْتَ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ فقد بيّن أنه استخلصهم لنفسه وعبادته وكان عليه رزقهم فقال تعالى :﴿إِنَّ الله هُوَ الرزاق﴾ بلفظ الله الدال على كونه رزاقاً، ولو قال إني أنا الرزاق لحصلت المناسبة التي ذكرت ولكن لا يحصل ما ذكرنا الثالث : أن يكون قل مضمراً عند قوله تعالى :﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم﴾ تقديره قل يا محمد ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ﴾ فيكون بمعنى قوله ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ [ الفرقان : ٥٧ ] ويكون على هذا قوله تعالى :﴿إِنَّ الله هُوَ الرزاق﴾ من قول النبي ﷺ ولم يقل القوي، بل قال :﴿ذُو القوة﴾ وذلك لأن المقصود تقرير ما تقدم من عدم إرادة الرزق وعدم الاستعانة بالغير، ولكن في عدم طلب الرزق لا يكفي كون المستغني بحيث يرزق واحداً فإن