والآن وقد أحس القلب البشري سياط العذاب في الشوط الأول ; وتذوق حلاوة النعيم في الشوط الثاني.. الآن يجيء الشوط الثالث يطارد الهواجس والوساوس ; ويلاحق الشبهات والأضاليل ; ويدحض الحجج والمعاذير. ويعرض الحقيقة بارزة واضحة بسيطة عنيفة. تتحدث بمنطق نافذ لا يحتمل التأويل، مستقيم لا يحتمل اللف والدوران. يلوي الأعناق ليا ويلجئها إلى الإذعان والتسليم.. ويبدأ هذا الشوط بتوجيه الخطاب إلى رسول الله ( ﷺ ) ليمضي في تذكيره لهم، على الرغم من سوء أدبهم معه ; وليقرعهم بهذا المنطق النافذ القوي المستقيم: فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون. أم يقولون: شاعر نتربص به ريب المنون ؟ قل: تربصوا فإني معكم من المتربصين. أم تأمرهم أحلامهم بهذا ؟ أم هم قوم طاغون ؟ أم يقولون تقوله ؟ بل لا يؤمنون. فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين. أم خلقوا من غير شيء ؟ أم هم الخالقون ؟ أم خلقوا السماوات والأرض ؟ بل لا يوقنون. أم عندهم خزائن ربك ؟ أم هم المصيطرون ؟ أم لهم سلم يستمعون فيه ؟ فليأت مستمعهم بسلطان مبين. أم له البنات ولكم البنون ؟ أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون ؟ أم عندهم الغيب فهم يكتبون ؟ أم يريدون كيدا ؟ فالذين كفروا هم المكيدون. أم لهم إله غير الله ؟ سبحان الله عما يشركون..
وعقب هذه الأسئلة المتلاحقة. بل هذه القذائف الصاعقة. التي تنسف الباطل نسفا، وتحرج المكابر والمعاند، وتخرس كل لسان يزيغ عن الحق أو يجادل فيه.. عقب هذا يصور تعنتهم وعنادهم في صورة الذي يكابر في المحسوس:(وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا: سحاب مركوم). والفرق بين قطعة السماء تسقط وبين السحاب واضح، ولكنهم هم يتلمسون كل شبهة ليعدلوا عن الحق الواضح.