ولما كان من باشر النعمة وجانب النقمة في هناء عظيم، قال مترجماً لذلك على تقدير القول :﴿كلوا﴾ أي أكلاً هنيئاً ﴿واشربوا﴾ شرباً ﴿هنيئاً﴾ أي لا نقص فيه، وهو صفة في موضع المصدر أي هنأتم بمعنى أن كل ما تتناولونه مأمون العاقبة من التخمة والسقم ونحوها ﴿بما كنتم﴾ أي كوناً راسخاً ﴿تعملون﴾ أي مجددين له على سبيل الاستمرار حتى كأنه طبع لكم.
ولما كان النعيم لا يتم إلا بأن يكون الإنسان مخدوماً، نبه عليه بقوله :﴿متكئين﴾ أي مستندين استناد راحة، لأنهم يخدمون فلا حاجة لهم إلى الحركة ﴿على سرر مصفوفة﴾ أي منصوبة واحداً إلى جنب واحد، مستوية كأنها السطور على أحسن نظام وأبدعه، قال الأصبهاني : والصفة : مد الشيء على الولاء.
ولما كان السرور لا يتم إلا بالتنعم بالنساء قال :﴿وزوجناهم﴾ أي تزويجاً يليق بما لنا من العظمة.
ولما كانت تلك الدار غنية عن الأسباب، فكانوا غنيين عن العقد، قال مشيراً بالباء إلى صرف الفعل عن ظاهره فإنه إذا كان بمعنى النكاح تعدى بنفسه، وتضمين الفعل " قرناهم " أي جعلناهم أزواجاً مقرونين ﴿بحور﴾ أي نساء هن في شدة بياض العين وشدة سوادها واستدارة حدقتها ورقة جفونها في غاية لا توصف ﴿عين﴾ أي واسعات الأعين في رونق وحسن.
ولما وصف حال المتقين من أعداء المكذبين وبدأ بهم لشرفهم، أتبعهم من هو أدنى منهم حالاً لتكون النعمة تامة فقال :﴿والذين آمنوا﴾ يعني أقروا بالإيمان ولم يبدلوا ولا بالغوا في الأعمال الصالحة.