فصل
قال الفخر :
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) ﴾
على ما هو عادة القرآن من بيان حال المؤمن بعد بيان حال الكافر، وذكر الثواب عقيب ذكر العقاب ليتم أمر الترهيب والترغيب، وقد ذكرنا تفسير المتقين في مواضع، والجنة وإن كانت موضع السرور، لكن الناطور قد يكون في البستان الذي هو غاية الطيبة وهو غير متنعم، فقوله ﴿وَنَعِيمٍ﴾ يفيد أنهم فيها يتنعمون، كما يكون المتفرج لا كما يكون الناطور.
فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (١٨)
وقوله ﴿فاكهين﴾ يزيد في ذلك لأن المتنعم قد يكون آثار التنعم على ظاهره وقلبه مشغول، فلما قال :﴿فاكهين﴾ يدل على غاية الطيبة، وقوله ﴿بِمَا ءاتاهم رَبُّهُمْ﴾ يفيد زيادة في ذلك، لأن الفكه قد يكون خسيس النفس فيسره أدنى شيء، ويفرح بأقل سبب، فقال :﴿فاكهين﴾ لا لدنو هممهم بل لعلو نعمهم حيث هي من عند ربهم.
وقوله تعالى :﴿ووقاهم رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم﴾ يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون المراد أنهم فاكهون بأمرين أحدهما : بما آتاهم، والثاني : بأنه وقاهم وثانيهما : أن يكون ذلك جملة أخرى منسوقة على الجملة الأولى، كأنه بيّن أنه أدخلهم جنّات ونعيماً ووقاهم عذاب الجحيم.
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠)