ثم الجمع يحتمل أمرين أحدهما : أن يكون لكل واحد سرر وهو الظاهر لأن قوله ﴿مَصْفُوفَةٌ﴾ يدل على أنها لواحد لأن سرر الكل لا تكون في موضع واحد مصطفة ولفظ السرير فيه حروف السرور بخلاف التخت وغيره، وقوله ﴿مَصْفُوفَةٌ﴾ دليل على أنه لمجرد العظم فإنها لو كات متفرقة لقيل في كل موضع واحد ليتكىء عليه صاحبه إذا حضر في هذا الموضع، وقوله تعالى :﴿وزوجناهم﴾ إشارة إلى النعمة الرابعة وفيها أيضاً ما يدل على كمال الحال من وجوه أحدها : أنه تعالى هو المزوج وهو يتولى الطرفين يزوج عباده بأمانه ومن يكون كذلك لا يفعل إلا ما فيه راحة العباد والإماء ثانيها : قال :﴿وزوجناهم بِحُورٍ﴾ ولم يقل وزوجناهم حوراً مع أن لفظة التزويج يتعدى فعله إلى مفعولين بغير حرف يقال زوجتكها قال تعالى :﴿فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً زوجناكها﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ] وذلك إشارة إلى أن المنفعة في التزويج لهم وإنما زوجوا للذتهم بالحور لا للذة الحور بهم وذلك لأن المفعول بغير حرف يعلق الفعل به كذلك التزويج تعلق بهم ثم بالحور، لأن ذلك بمعنى جعلنا ازدواجهم بهذا الطريق وهو الحور ثالثها : عدم الاقتصار على الزوجات بل وصفهن بالحسن واختار الأحسن من الأحسن، فإن أحسن ما في صورة الآدمي وجهه وأحسن ما في الوجه العين، ولأن الحور والعين يدلان على حسن المزاج في الأعضاء ووفرة المادة في الأرواح، أما حسن المزاج فعلامته الحور، وأما وفرة الروح فإن سعة العين بسبب كثرة الروح المصوبة إليها، فإن قيل قوله ﴿زوجناهم﴾ ذكره بفعل ماض و ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ حال ولم يسبق ذكر فعل ماض يعطف عليه ذلك وعطف الماضي على الماضي والمستقبل على المستقبل أحسن، نقول الجواب من وجوه اثنان لفظيان ومعنوي أحدها : أن ذلك حسن في كثير من المواضع، تقول جاء زيد ويجيء عمراً وخرج زيد ثانيها : أن قوله تعالى :﴿إِنَّ المتقين فِى جنات وَنَعِيمٍ﴾ تقديره أدخلناهم في جنات، وذلك لأن