وقال الآلوسى :
﴿ إِنَّ المتقين فِى جنات وَنَعِيمٍ ﴾
شروع في ذكر حال المؤمنين بعد ذكر حال الكافرين كما هو عادة القرآن الجليل في "الترهيب والترغيب"، وجوز أن يكون من جملة المقول للكفار إذ ذاك زيادة في غمهم وتنكيدهم والأول أظهر، والتنوين في الموضعين للتعظيم أي في جنات عظيمة ونعيم عظيم، وجوز أن يكون للنوعية أي نوع من الجنات، ونوع من النعيم مخصوصين بهم وكونه عوضاً عن المضاف إليه أي جناتهم ونعيمهم ليس بالقوى كما لا يخفى.
﴿ فاكهين ﴾ متلذذين ﴿ بِمَا ءاتاهم رَبُّهُمْ ﴾ من الإحسان، وقرىء فكهين بلا ألف، ونصبه في القراءتين على الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور أعني ﴿ في جنات ﴾ [ الطور : ١٧ ] الواقع خبراً لأن، وقرأ خالد فاكهون بالرفع على أنه الخبر، وفي جنات متعلق به لكنه قدم عليه للاهتمام، ومن أجاز تعدد الخبر أجاز أن يكون خبراً بعد خبر ﴿ ووقاهم رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم ﴾ عطف على ﴿ فِي جنات ﴾ [ الطور : ١٧ ] على تقدير كونه خبراً كأنه قيل : استقروا ﴿ فِي جنات ﴾ ﴿ ووقاهم رَبُّهُمْ ﴾ الخ، أو على ﴿ ءاتاهم ﴾ إن جعلت ﴿ مَا ﴾ مصدرية أي فاكهين بإيتائهم ربهم ووقايتهم عذاب الجحيم، ولم يجوز كثير عطفه عليه إن جعلت موصولة إذ يكون التقدير فاكهين بالذي وقاهم ربهم فلا يكون راجع إلى الموصول، وجوزه بعض بتقدير الراجع أي وقاهم به على أن الباء للملابسة، وفي "الكشف" لم يحمل على حذف الراجع لكثرة الحذف ولو درج لصاً، والفعل من المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل وهو مسموع عند بعضهم، ولا يخفى أنه وجه سديد أيضاً، والمعنى عليه أسد لأن الفكاهة تلذذ يشتغل به صاحبه والتلذذ بالايتاء يحتمل التجدد باعتبار تعدد المؤتى إما بالوقاية أي على تقدير المصدرية فلا، وأقول لعله هو المنساق إلى الذهن، وجوز أن يكون حالاً بتقدير قد أو بدونه إما من المستكن في الخبر أو في الحال.
وإما من فاعل آتى.
أو من مفعوله.