وفي المخالفة بين الصيغتين تفنن لدفع إعادة اللفظ.
و﴿ ألتناهم ﴾ نقصناهم، يقال : آلته حقه، إذا نقصه إياه، وهو من باب ضرب ومن باب علم.
فقرأه الجمهور بفتح لام ﴿ ألتناهم ﴾.
وقرأه ابن كثير بكسر لام ﴿ ألِتناهم ﴾، وتقدم عند قوله تعالى :﴿ لا يلتكم من أعمالكم شيئاً ﴾ في سورة الحجرات ( ١٤ ).
والواو للحال وضمير الغيبة عائد إلى ﴿ الذين آمنوا ﴾.
والمعنى : أن الله ألحق بهم ذرياتهم في الدرجة في الجنة فضلاً منه على الذين آمنوا دون عوض احتراساً من أن يحسبوا أن إلحاق ذرياتهم بهم بعد عطاء نصيب من حسناتهم لذرياتهم ليدخلوا به الجنة على ما هو متعارف عندهم في فك الأسير، وحَمالة الديات، وخلاص الغارمين، وعلى ما هو معروف في الانتصاف من المظلوم للظالم بالأخذ من حسناته وإعطائها للمظلوم، وهو كناية عن عدم انتقاص حظوظهم من الجزاء على الأعمال الصالحة.
و﴿ من عملهم ﴾ متعلق بـ ﴿ ما ألتناهم ﴾ و ( من ) للتبعيض، و ( من ) التي في قوله :﴿ من شيء ﴾ لتوكيد النفي وإفادة الإِحاطة والشمول للنكرة.
﴿ كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾.
جملة معترضة بين جملة ﴿ وما ألتناهم من عملهم ﴾ وبين جملة ﴿ وأمددناهم بفاكهة ﴾ [ الطور : ٢٢ ]، قصد منها تعليل الجملة التي قبلها وهي بما فيها من العموم صالحة للتذييل مع التعليل، و ﴿ كل امرىء ﴾ يعمّ أهل الآخرة كلهم.
وليس المراد كل امرىء من المتقين خاصة.
والمعنى : انتفى إنقاصُنا إياهم شيئاً من عملهم لأن كل أحد مقرون بما كسب ومرتهَن عنده والمتقون لمّا كَسَبوا العمل الصالح كان لازماً لهم مقترناً بهم لا يُسلبون منه شيئاً، والمراد بما كسبوا : جزاء ما كسبوا لأنه الذي يقترن بصاحب العمل وأما نفس العمل نفسه فقد انقضى في إبانه.