فصل
قال الفخر :
﴿ فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (٢٩) ﴾)
وتعلق الآية بما قبلها ظاهر لأنه تعالى بيّن أن في الوجود قوماً يخافون الله ويشفقون في أهليهم، والنبي ﷺ مأمور بتذكير من يخاف الله تعالى بقوله ﴿فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ ق : ٤٥ ] فحقق من يذكره فوجب التذكير، وأما الرسول عليه السلام فليس له إلا الإتيان بما أمر به، وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
في الفاء في قوله ﴿فَذَكّرْ﴾ قد علم تعلقه بما قبله فحسن ذكره بالفاء.
المسألة الثانية :
معنى الفاء في قوله ﴿فَمَا أَنتَ﴾ أيضاً قد علم أي أنك لست بكاهن فلا تتغير ولا تتبع أهواءهم، فإن ذلك سيرة المزور فذكر فإنك لست بمزور، وذلك سبب التذكير.
المسألة الثالثة :
ما وجه تعلق قوله ﴿نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون﴾ بقوله ﴿شَاعِرٌ﴾ ؟ نقول فيه وجهان الأول : أن العرب كانت تحترز عن إيذاء الشعراء وتتقي ألسنتهم، فإن الشعر كان عندهم يحفظ ويدون، وقالوا لا نعارضه في الحال مخافة أن يغلبنا بقوة شعره، وإنما سبيلنا الصبر وتربص موته الثاني : أنه ﷺ كان يقول إن الحق دين الله، وإن الشرع الذي أتيت به يبقى أبد الدهر وكتابي يتلى إلى قيام الساعة، فقالوا ليس كذلك إنما هو شاعر، والذي يذكره في حق آلهتنا شعر ولا ناصر له وسيصيبه من بعض آلهتنا الهلاك فنتربص به ذلك.
المسألة الرابعة :
ما معنى ريب المنون ؟ نقول قيل هو اسم للموت فعول من المن وهو القطع والموت قطوع، ولهذا سمي بمنون، وقيل المنون الدهر وريبه حوادثه، وعلى هذا قولهم ﴿نَتَرَبَّصُ﴾ يحتمل وجهاً آخر، وهو أن يكون المراد أنه إذا كان شاعراً فصروف الزمان ربما تضعف ذهنه وتورث وهنه فيتبين لكل فساد أمره وكساد شعره.
المسألة الخامسة :