قد ذكرنا أن معنى الكيد هو فعل يسوء من نزل به وإن حسن ممن صدر منه، فما الفائدة في تخصيص العمل الذي يسوء بالذكر ولم يقل يوم لا يغني عنهم أفعالهم على الإطلاق ؟ نقول هو قياس بالطريق الأولى لأنهم كانوا يأتون بفعل النبي ﷺ والمؤمنين وكانوا يعتقدون أنه أحسن أعمالهم فقال ما أغنى أحسن أعمالهم الذي كانوا يعتقدون فيه ليقطع رجاءهم عما دونه، وفيه وجه آخر وهو أنه تعالى لما قال من قبل ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً﴾ [ الطور : ٤٢ ] وقد قلنا إن أكثر المفسرين على أن المراد به تدبيرهم في قتل النبي ﷺ قال :﴿هُمُ المكيدون﴾ أي لا ينفعهم كيدهم في الدنيا فماذا يفعلون يوم لا ينفعهم ذلك الكيد بل يضرهم وقوله ﴿وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ فيه وجوه أحدها : أنه متمم بيان وجهه هو أن الداعي أولاً يرتب أموراً لدفع المكروه بحيث لا يحتاج إلى الانتصار بالغير والمنة ثم إذا لم ينفعه ذلك ينتصر بالأغيار، فقال لا ينفعهم أفعال أنفسهم ولا ينصرهم عند اليأس وحصول اليأس عن إقبالهم ثانيها : أن المراد منه ما هو المراد من قوله تعالى :﴿لاَّ تُغْنِ عَنّى شفاعتهم شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ﴾ [ ياس : ٢٣ ]، فقوله ﴿يَوْمَ لاَ يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾ أي عبادتهم الأصنام، وقولهم ﴿هَؤُلاء شفعاؤنا﴾ [ يونس : ١٨ ] وقولهم ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا﴾ [ الزمر : ٣ ] وقوله ﴿وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾، أي لا نصير لهم كما لا شفيع، ودفع العذاب، إما بشفاعة شفيع أو بنصر ناصر ثالثها : أن نقول الإضافة في كيدهم إضافة المصدر إلى المفعول، لا إضافته إلى الفاعل، فكأنه قال لا يغني عنهم كيد الشيطان إياهم، وبيانه هو أنك تقول أعجبني ضرب زيداً عمراً، وأعجبني ضرب عمرو، فإذا اقتصرت على المصدر والمضاف إليه لا يعلم إلا بالقرينة والنية، فإذا سمعت قول القائل، أعجبني ضرب زيد يحتمل أن يكون زيد ضارباً ويحتمل


الصفحة التالية
Icon