وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَذَكِّرْ ﴾
أي فذكر يا محمد قومك بالقرآن.
﴿ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ ﴾ يعني برسالة ربك ﴿ بِكَاهِنٍ ﴾ تبتدع القول وتخبر بما في غد من غير وَحْي.
﴿ وَلاَ مَجْنُونٍ ﴾ وهذا ردّ لقولهم في النبيّ ﷺ ؛ فعقبة بن أبي مُعَيْط قال : إنه مجنون، وشيبة بن ربيعة قال : إنه ساحر، وغيرهما قال : كاهن ؛ فأكذبهم الله تعالى وردّ عليهم.
ثم قيل : إن معنى "فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ" القسم ؛ أي وبنعمة الله ما أنت بكاهن ولا مجنون.
وقيل : ليس قسماً، وإنما هو كما تقول : ما أنت بحمد الله بجاهل ؛ أي قد برأك الله من ذلك.
قوله تعالى :﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ ﴾ أي بل يقولون محمد شاعر.
قال سيبويه : خوطب العباد بما جرى في كلامهم.
قال أبو جعفر النحاس : وهذا كلام حسن إلا أنه غير مبيّن ولا مشروح ؛ يريد سيبويه أن "أَمْ" في كلام العرب لخروج من حديث إلى حديث ؛ كما قال :
أَتَهْجُر غَانيةً أَمْ تُلِمْ...
فتم الكلام ثم خرج إلى شيء آخر فقال :
أَمِ الْحَبْلُ وَاهٍ بها مُنْجَذِمْ...
فما جاء في كتاب الله تعالى من هذا فمعناه التقرير والتوبيخ والخروج من حديث إلى حديث، والنحويون يمثلونها ببل.
﴿ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون ﴾ قال قتادة : قال قوم من الكفار تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه كما كفى شاعر بني فلان.
قال الضحاك : هؤلاء بنو عبد الدار نسبوه إلى أنه شاعر ؛ أي يهلك عن قريب كما هلك مَنْ قبلُ من الشعراء، وأن أباه مات شابًّا فربما يموت كما مات أبوه.
وقال الأخفش : نتربص به إلى ريب المنون فحذف حرف الجر، كما تقول : قصدت زيداً وقصدت إلى زيد.
والمنون : الموت في قول ابن عباس.
قال أبو الغَوِل الطُّهوِي :
هُم مَنَعُوا حِمَى الْوَقَبَى بِضَرْبٍ...
يُؤَلِّف بين أَشْتَاتِ الْمَنُونِ


الصفحة التالية
Icon