وعلى قولنا إن المراد خلقوا لا من تراب ولا من ماء فله وجه ظاهر، وهو أن الخلق إذا لم يكن من شيء بل يكون إيداعياً يخفي كونه مخلوقاً على بعض الأغبياء، ولهذا قال بعضهم السماء رفع اتفاقاً ووجد من غير خالق وأما الإنسان الذي يكون أولاً نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم لحماً وعظماً لا يتمكن أحد من إنكاره بعد مشاهدة تغير أحواله فقال تعالى :﴿أَمْ خَلَقُواْ﴾ بحيث يخفى عليهم وجه خلقهم بأن خلقوا ابتداء من غير سبق حالة عليهم يكونون فيها تراباً ولا ماء ولا نطفة ليس كذلك بل هم كانوا شيئاً من تلك الأشياء خلقوا منه خلقاً، فما خلقوا من غير شيء حتى ينكروا الوحدانية ولهذا قال تعالى :﴿يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أمهاتكم خَلْقاً مّن بَعْدِ خَلْقٍ﴾ [ الزمر : ٦ ] ولهذا أكثر الله من قوله ﴿خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ﴾ [ الإنسان : ٢ ] وقوله ﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ﴾ [ المرسلات : ٢٠ ] يتناول الأمرين المذكورين في هذا الموضع لأن قوله ﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء﴾ يحتمل أن يكون نفي المجموع بنفي الخلق فيكون كأنه قال : أخلقتم لا من ماء، وعلى قول من قال المراد منه أم خلقوا من غير شيء، أي من غير خالق ففيه ترتيب حسن أيضاً وذلك لأن نفي الصانع، إما أن يكون بنفي كون العالم مخلوقاً فلا يكون ممكناً، وإما أن يكون ممكناً لكن الممكن لا يكون محتاجاً فيقع الممكن من غير مؤثر وكلاهما محال.