ولم يره في صورته الحقيقية التي خلقه اللّه عليها غير مرة في الأرض، وهي المشار إليها في سورة التكوير المارّة "وَهُوَ" أي جبريل "بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ٧" الشرقي ومحمد بحراء كما مرّ فيها، ومرة في السماء ليلة المعراج كما سيأتي أول سورة الإسراء الآتية "ثُمَّ دَنا" جبريل من محمد "فَتَدَلَّى ٨" ازداد نزوله فتقرب منه "فَكانَ" جبريل من محمد "قابَ" وقبّ وقيب وقاد وقيس كلها بمعنى المقدار القليل، أي ان مسافة قربه منه "قَوْسَيْنِ" من الأقواس العربية المعروفة عندهم إذ لكل قوس قابان وقاب القوس ما بين وترها ومقبضها "أَوْ أَدْنى ٩" من ذلك وأقرب بحسب تقديركم أيها الناس إذ لا أقرب من هذا عندكم وأما عندنا نحن مولى
الكل وسيذهم فهو أقرب مما تتصوره عقولكم وهو من حيث القلّة (كأف) في زجر الوالدين في الآية ٣٣ من الإسراء الآتية، وفي التحقيق (كأو) في الآية ٤٦ من سورة الصافات في ج ٢، وقد جاء التعدد بالقوس والرمح والذراع والسوط والباع والقدم على حسب لغة العرب واستعمالها، لأن اللّه خاطبهم بما يفهمون، ومن هذا لا صلاة حتى ترتفع الشمس قدر رمح أو رمحين، ومنه ولقاب قوس أحدكم في الجنة وموضع قدّه أي سوطه خير من الدنيا وما فيها، وفيه اشارة إلى ما كانت العرب في الجاهلية تفعله عند مخالفتهم وارادة الصفاء بينهم وتوثيق العهود، فإنهم كانوا يخرجون بقوسين فيلصقانهما حتى يكونا ذا قاب واحد ثم ينتزعونهما ويرمون بكل منها سهما واحدا دلالة على أنهما تظاهرا وتعاقدا وتوافقا على أن يحمي أحدهما الآخر وأن يكون رضى أحدهما وسخطه رضاء الأخر وسخطه قال قل "فَأَوْحى "
جبريل عليه السلام وأعبد الضمير إليه لأنه أقرب، ولأن سياق الآية يدل عليه وسياق اللفظ يؤيده "إِلى عَبْدِهِ"


الصفحة التالية
Icon