ومما يدل على توهين هذه الرواية اضطراب رواتها وانقطاع سندها واختلاف ألفاظها، لأن منهم من قال أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم كان في الصلاة ومنهم من قال أنه كان في نادي قومه وآخر يقول أنه قرأها في حالة سنة من النوم، وغيره يقول أنه حدث بها نفسه، فجرت على لسانه، والبعض قال ان الشيطان قالها على لسانه أو بعض الكفرة تكلم بها أثناء قراءته حتى ظنوها منه، وبعضهم قال انه لما عرضها على جبريل قال : ما هكذا اقرأتك، مما يدل على تلفيق هذه القصة ولا غرو أن كثيرا من المفسرين والمؤرخين ولعون بنقل كل غريب شاذ، لذلك فانهم ينقلون هذين النوعين بلا ترو لينقل عنهم هكذا مخالفات على حد خالف تعرف.
واعلم أن التمني ينحصر في معنيين لا ثالث لهما بمعنى حديث النفس وبمعنى التلاوة فعلى الأخير لا شيء فيه كما علمت، وعلى الأول يكون معنى تمنى خطر بباله وتمنى بقلبه ولا يبعد أنه إذا قوي التمني اشتغل الخطر فحصل السهو في الأفعال الظاهرة، الا أنه يستحيل وقوعه من النبي في كل ما يتعلق بأمر تبليغ الوحي بدليل ما مر
من الآيات المستشهد بها أعلاه، وإذ قامت الدلائل على صدقه صلّى اللّه عليه وسلم فضلا عن أن الأمة أجمعت على أنه معصوم من الإخبار بخلاف الواقع من قبل اللّه لا قصدا ولا سهوا ولا غلطا ولا نسيانا ولا خطأ، كيف وقد قال تعالى :
(وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) الآية ٣ المارة، وعلى هذا فلا يجوز ذلك عليه إلا زنديق مارق منافق خائن لا حظ له في الآخرة إلا النار، ولا نصيب له في الدنيا إلا العار هذا، واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه وسلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأتباعه أجمعين. أ هـ ﴿بيان المعاني حـ ١ صـ ١٩٠ ـ ٢١٣﴾


الصفحة التالية
Icon