ولما كانت العبارة ربما أوهمت شيأ لا يليق به نفاه ـ ﷺ ـ بما في الرواية من تخصيص التعبير باسم الجبار فعلم أنه قربه تقريباً يليق به، وسمى ذلك دنواً فكان الدنو والتدلي تمثيلاً لما وصل منه سبحانه إلى عبده محمد ـ ﷺ ـ بغاية السهولة واليسر واللطافة مع اتصاله بالحضرات القدسية، والتعبير بالتدلي لإفهام العلو مثل ما كني بالنزول كل ليلة إلى سماء الدنيا عن إجابة الدعاء بفتح أبواب السماء كما رويناه في جزء العيشي من حديث عثمان بن أبي العاص ـ رضى الله عنه ـ تمثيلاً بما نعرفه من حال الملوك في أن أحدهم يكون نزوله عن سريره أدنى في إتيان خواصه إليه، وفتح بابه أدنى لمن يليهم، وكلما نزل درجة كان الإذن أعم إلى أن يصل إلى الإذن العام لجميع الناس، هذا علم المخاطبين بأن ذلك على سبيل التمثيل بمن يحتاج إلى هذه الدرجات، وأما من هو غني عن كل شيء فله سبحانه المثل الأعلى ولا يشبه شيئاً، ولا يشبهه شيء، وفي ﴿قرآن الفجر﴾ من سورة سبحان لهذا مزيد بيان، وقال القاضي عياض في الشفاء ما حاصله أن تلك الضمائر للنبي ـ ﷺ ـ فقال : قال جعفر بن محمد - يعني الصادق بن الباقر : أدناه ربه حتى كان منه كقاب قوسين، وقال أيضاً : انقطعت الكيفية عن الدنو، ألا ترى كيف حجب جبريل عليه السلام عن دنوه ودنا محمد ـ ﷺ ـ إلى ما أودع قلبه من المعرفة والإيمان فتدلى بسكون قلبه إلى ما أدناه وزال عن قلبه الشك والارتياب، وقال جعفر أيضاً : والدنو من الله تعالى لا حد له، ومن العباد بالحدود - انتهى.