﴿إذا هوى﴾ أي نزل للأفول أو لرجم الشياطين عند الاستراق كما رواه عكرمة عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ إن كان المراد السمائي، فكانت عنده العبادة والاستغفار والدعاء للملك الجبار بالأسحار، أو صعد فكان به اهتداء المصلي والقارئ والساري، فإنه يقال : هوى هوياً - بالفتح إذا سقط، وبالضم - إذا علا وصعد، أو نزل به الملك للإصعاد وللإبعاد إن كان المراد القرآني لما يحصل من البركات في الدين والدنيا والشرح للصدور، والاطلاع على عجائب المقدور، أو إذا سقط منبسطاً على الأرض أو ارتفع عنها إن كان المراد النبات، لما فيه من غريب الصنعة وجليل التقدير الدال على عام القدرة وكمال العلم والتوحد بالملك والغنى المطلق.
ولما أقسم بهذا القسم الجليل، أجابه بقوله معبراً بالماضي نفياً لما كانوا رموه به وليسهل ما قبل النبوة فيكون ما بعدها بطريق الأولى :﴿ما ضل﴾ أي عدل عن سواء المحجة الموصلة إلى غاية المقصود أي أنه ما عمل الضالين يوماً من الأيام فمتى تقول القرآن عنده ولا علم فيه عمل المجانين ولا غيرهم ما رموه به وأما ﴿وجدك ضالاً﴾ [ الضحى : ٧ ] فالمراد غير عالم، وعبر بالصحبة مع كونها أدل على القصد مرغبة لهم فيها ومقبلة بهم إليه ومقبحة عليهم اتهامه في إنذاره وهم يعرفون طيب أعرافه وطهارة شمائله وأخلاقه فقال :﴿صاحبكم﴾ أي في إنذاره لكم في القيامة فلا وجه لكم في اتهامه.
ولما كان الهدى قد يصحبه ميل لا يقرب الموصول إلى القصد وإن حصل به نوع خلل في القرب أو نحوه فقد يكون القصد مع غير صالح قال :﴿وما غوى﴾ وما مال أدنى ميل ولا كان مقصوده مما يسوء فإنه محروس من أسبابه التي هي غواية الشياطين وغيرها، وقد دفع سبحانه عن نبينا ـ ﷺ ـ، وأما بقية الأنبياء فدفعوا أنفسهم ﴿ليس بي ضلالة﴾ [ الأعراف : ٦١ ] ﴿ليس بي سفاهة﴾ [ الأعراف : ٦٧ ]، ونحو ذلك - قاله القشيري.


الصفحة التالية
Icon