إذا كان بدلاً عن الذين أحسنوا فلم خالف ما بعده بالمضي والاستقبال حيث قال تعالى :﴿الذين أَحْسَنُواْ﴾ [ النجم : ٣١ ] وقال :﴿الذين يَجْتَنِبُونَ﴾ ولم يقل اجتنبوا ؟ نقول : هو كما يقول القائل الذين سألوني أعطيتهم، الذين يترددون إلى سائلين أي الذين عادتهم التردد والسؤال سألوني وأعطيتهم فكذلك ههنا قال :﴿الذين يَجْتَنِبُونَ﴾ أي الذين عادتهم ودأبهم الاجتناب لا الذين اجتنبوا مرة وقدموا عليها أخرى، فإن قيل : في كثير من المواضع قال في الكبائر ﴿والذين يَجْتَنِبُونَ كبائر الإثم والفواحش وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ [ الشورى : ٣٧ ] وقال في عباد الطاغوت :﴿والذين اجتنبوا الطاغوت أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُواْ إِلَى الله﴾ [ الزمر : ١٧ ] فما الفرق ؟ نقول : عبادة الطاغوت راجعة إلى الاعتقاد والاعتقاد إذا وجد دام ظاهراً فمن اجتنبها اعتقد بطلانها فيستمر، وأما مثل الشرب والزنا أمر يختلف أحوال الناس فيه فيتركه زماناً ويعود إليه ولهذا يستبرأ الفاسق إذا تاب ولا يستبرأ الكافر إذا أسلم، فقال في الآثام :﴿الذين يَجْتَنِبُونَ﴾ دائماً، ويثابرون على الترك أبداً، وفي عبادة الأصنام :﴿اجتنبوا﴾ بصيغة الماضي ليكون أدل على الحصول، ولأن كبائر الإثم لها عدد أنواع فينبغي أن يجتنب عن نوع ويجتنب عن آخر ويجتنب عن ثالث ففيه تكرر وتجدد فاستعمل فيه صيغة الاستقبال، وعبادة الصنم أمر واحد متحد، فترك فيه ذلك الاستعمال وأتى بصيغة الماضي الدالة على وقوع الاجتناب لها دفعة.
المسألة الثانية :