كيف قال :﴿سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ﴾ مع أن هذه الأسامي لأصنامهم كانت قبلهم ؟ نقول فيه لطيفة وهي أنهم لو قالوا ما سميناها، وإنما هي موضوعة قبلنا، قيل لهم كل من يطلق هذه الألفاظ فهو كالمبتدىء الواضع، وذلك لأن الواضع الأول لهذه الأسماء لما لم يكن واضعاً بدليل عقلي لم يجب اتباعه فمن يطلق اللفظ لأن فلاناً أطلقه لا يصح منه كما لا يصح أن يقول أضلني الأعمى ولو قاله لقيل له بل أنت أضللت نفسك حيث اتبعت من عرفت أنه لا يصلح للاقتداء به.
المسألة الرابعة :
الأسماء لا تسمى، وإنما يسمى بها فكيف قال :﴿سَمَّيْتُمُوهَا﴾ ؟ نقول عنه جوابان أحدهما : لغوي وهو أن التسمية وضع الاسم فكأنه قال أسماء وضعتموها فاستعمل سميتموها استعمال وضعتموها، ويقال سميته زيداً وسميته يزيد فسميتموها بمعنى سميتم بها وثانيهما : معنوي وهو أنه لو قال أسماء سميتم بها لكان هناك غير الاسم شيء يتعلق به الباء في قوله ﴿بِهَا﴾ لأن قول القائل سميت به يستدعي مفعولاً آخر تقول سميت بزيد ابني أو عبدي أو غير ذلك فيكون قد جعل للأصنام اعتباراً وراء أسمائها، وإذا قال :﴿إِنْ هِىَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا﴾ أي وضعتموها في أنفسها لا مسميات لها لم يكن ذلك فإن قيل هذا باطل بقوله تعالى :﴿وَإِنّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ [ آل عمران : ٣٦ ] حيث لم يقل وإني سميتها بمريم ولم يكن ما ذكرت مقصوداً وإلا لكانت مريم غير ملتفت إليها كما قلت في الأصنام ؟ نقول بينهما بون عظيم وذلك لأن هناك قال :﴿سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ فذكر المفعولين فاعتبر حقيقة مريم بقوله ﴿سَمَّيْتُهَا﴾ واسمها بقوله ﴿مَرْيَمَ﴾ وأما ههنا فقال :﴿إِنْ هِىَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا﴾ أي ما هناك إلا أسماء موضوعة فلم تعتبر الحقيقة ههنا واعتبرت في مريم.
المسألة الخامسة :