"وأنْ" هذه المخففة من الثقيلة وموضعها جرٌّ بدلاً من "ما" أو يكون في موضع رفع على إضمار هو.
وقرأ سعيد بن جبير وقتادة "وَفَى" خفيفة ومعناها صدق في قوله وعمله، وهي راجعة إلى معنى قراءة الجماعة "وَفَّى" بالتشديد أي قام بجميع ما فرض عليه فلم يَخْرم منه شيئاً.
وقد مضى في "البقرة" عند قوله تعالى :﴿ وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ﴾ [ البقرة : ١٢٤ ] والتوفية الإتمام.
وقال أبو بكر الورّاق : قام بشرط ما ادعى ؛ وذلك أن الله تعالى قال له :﴿ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العالمين ﴾ [ البقرة : ١٣١ ] فطالبه الله بصحة دعواه، فابتلاه في ماله وولده ونفسه فوجده وافياً بذلك ؛ فذلك قوله :﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى ﴾ أي ادعى الإسلام ثم صحح دعواه.
وقيل : وفّي عمله كل يوم بأربع ركعات في صدر النهار ؛ رواه الهيثم عن أبي أمامة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وروى سهل بن سعد الساعدي عن أبيه :" أَلاَ أخبركم لم سَمَّى اللَّه تعالى خليلَه إبراهيمَ "الَّذِي وَفَّى" لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى :﴿ فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ " [ الروم : ١٧ ] الآية.
ورواه سهل بن معاذ عن أنس عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقيل :"وفَّى" أي وَفَّى ما أرسل به، وهو قوله :﴿ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ قال ابن عباس : كانوا قبل إبراهيم عليه السلام يأخذون الرجل بذنب غيره، ويأخذون الوليَّ بالولِيِّ في القتل والجراحة ؛ فيقتل الرجل بأبيه وابنه وأخيه وعمه وخاله وابن عمه وقريبه وزوجته وزوجها وعبده، فبلغهم إبراهيم عليه السلام عن الله تعالى :﴿ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾.
وقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير في قوله تعالى "وَفَّى" : عمل بما أمر به وبلّغ رسالات ربه.
وهذا أحسن ؛ لأنه عام.
وكذا قال مجاهد :"وَفَّى" بما فرض عليه.


الصفحة التالية
Icon