قال :﴿لاَ تُغْنِى شفاعتهم﴾ ولم يقل لا يشفعون مع أن دعواهم أن هؤلاء شفعاؤنا لا أن شفاعتهم تنفع أو تغني وقال تعالى في مواضع أخرى ﴿مَن ذَا الذى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ] فنفى الشفاعة بدون الإذن وقال :﴿مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ﴾ [ السجدة : ٤ ] نفى الشفيع وههنا نفى الإغناء ؟ نقول هم كانوا يقولون هؤلاء شفعاؤنا وكانوا يعتقدون نفع شفاعتهم، كما قال تعالى :﴿لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى﴾ [ الزمر : ٣ ] ثم نقول نفي دعواهم يشتمل على فائدة عظيمة، أما نفي دعواهم لأنهم قالوا الأصنام تشفع لنا شفاعة مقربة مغنية فقال :﴿لاَ تُغْنِى شفاعتهم﴾ بدليل أن شفاعة الملائكة لا تغني، وأما الفائدة فلأنه لما استثنى بقوله ﴿إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله﴾ أي فيشفع ولكن لا يكون فيه بيان أنها تقبل وتغني أو لا تقبل، فإذا قال :﴿لاَ تُغْنِى شفاعتهم﴾ ثم قال :﴿إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله﴾ فيكون معناه تغني فيحصل البشارة، لأنه تعالى قال :﴿الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ ﴾
[ غافر : ٧ ] وقال تعالى :﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الأرض﴾ [ الشورى : ٥ ] والاستغفار شفاعة.
وأما قوله ﴿مَن ذَا الذى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ] فليس المراد نفي الشفاعة وقبولها كما في هذه الآية حيث رد عليهم قولهم وإنما المراد عظمة الله تعالى، وأنه لا ينطق في حضرته أحد ولا يتكلم كما في قوله تعالى :﴿لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن﴾ [ النبأ : ٣٨ ].
المسألة الخامسة :


الصفحة التالية
Icon