وقوله :﴿ فلا تزكوا أنفسكم ﴾ ظاهره النهي عن أن يزكي نفسه، ويحتمل أن يكون نهياً عن أن يزكي بعض الناس بعضاً وإذا كان هذا فإنما ينهى عن تزكية السمعة والمدح للدنيا والقطع بالتزكية، ومن ذلك الحديث في عثمان بن مظعون عند موته. وأما تزكية الإمام والقدرة أحداً ليؤتم به أوليتهم الناس بالخير فجائز، وقد زكى رسول الله ﷺ بعض أصحابه أبا بكر وغيره، وكذلك تزكية الشهود في الحقوق جائزة للضرورة إليها، وأصل التزكية إنما هو التقوى، والله تعالى هو أعلم بتقوى الناس منكم.
وقوله تعالى :﴿ أفرأيت الذي تولى ﴾ الآية، قال مجاهد وابن زيد وغيرهما نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي وذلك أنه سمع قراءة النبي ﷺ وجلس إليه ووعظه رسول الله، فقرب من الإسلام، وطمع النبي عليه السلام فيه، ثم إنه عاتبه رجل من المشركين وقال له : أتترك ملة آبائك؟ ارجع إلى دينك واثبت عليه وأنا أتحمل لك بكل شيء تخافه في الآخرة، لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال، فوافقه الوليد على ذلك، ورجع عما هم به من الإسلام وضل ضلالاً بعيداً، وأعطى بعض ذلك المال لذلك الرجل ثم أمسك عنه وشح، فنزلت الآية فيه.