قوله تعالى :﴿ وأن ليس للإنسان ﴾ وقوله بعد ذلك ﴿ وأنه ﴾، ﴿ وأنه ﴾ معطوف كل ذلك على أن المقدرة أولاً في قوله :" أنه لا تزر " وهي كلها بفتح الألف في قراءة الجمهور. وقرأ أبو السمال قعنب " وإن إلى ربك " بكسر الهمزة فيهما وفيما بعدها وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أن قوله :﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾ منسوخ بقوله :﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتم ﴾ [ الطور : ٢١ ] وهذا لا يصح عندي على ابن عباس، لأنه خبر لا ينسخ، ولأن شروط النسخ ليست هنا، اللهم إلا أن يتجوز في لفظة النسخ ليفهم سائلاً، وقال عكرمة : كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى، وأما هذه الأمة فلها سعي غيرها، والدليل حديث سعد بن عبادة قال : يا رسول الله هل لأمي إن تطوعت عنها؟ قال : نعم. وقال الربيع بن أنس :" الإنسان " الذي في هذه الآية هو الكافر وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره. وسأل عبد الله بن طاهر بن الحسين والي خراسان الحسين بن الفضل عن هذه الآية مع قوله :﴿ والله يضاعف لمن يشاء ﴾ [ البقرة : ٢٦١ ] فقال ليس له بالعدل إلا ما سعى، وله بفضل الله ما شاء الله، فقبل عبد الله رأس الحسين. وقال الجمهور : الآية محكمة. والتحرير عندي في هذه الآية أن ملاك المعنى هو في اللام من قوله :﴿ للإنسان ﴾ فإذا حققت الشيء الذي هو حق الإنسان يقول فيه لي كذا لم يجده إلا سعيه، وما بعد من رحمة ثم شفاعة أو رعاية أب صالح أو ابن صالح أو تضعيف حسنات أو تغمد بفضل ورحمة دون هذا كله فليس هو للإنسان ولا يسعه أن يقول لي كذا إلا على تجوز وإلحاق بما هو له حقيقة. واحتج بهذه الآية من يرى أنه لا يعمل أحد عن أحد بعد موته ببدن ولا مال. وفرق بعض العلماء بين البدن والمال، وهي عندي كلها فضائل للعامل وحسنات تذكر للمعمول عنه. وقد أمر رسول الله ﷺ سعداً بالصدقة عن أمه، والسعي : التكسب.


الصفحة التالية
Icon