وقولنا : أبيض معناه شيء له بياض، ولا يكون الجسم مأخوذاً فيه، ويظهر ذلك في قولنا رجل عالم فإن العالم شيء له علم حتى الحداد والخباز ولو أمكن قيام العلم بهما لكان عالماً ولا يدخل الحي في المعنى من حيث المفهوم فإنا إذا قلنا : عالم يفهم أن ذلك حي لأن اللفظ ما وضع لحي يعلم بل اللفظ وضع لشيء يعلم ويزيده ظهوراً قولنا : معلوم فإنه شيء يعلم أو أمر يعلم وإن لم يكن شيئاً، ولو دخل الجسم في الأبيض لكان قولنا جسم أبيض كقولنا جسم له بياض فيقع الوصف بالجثة، إذا علمت هذا فمن المستفاد بالجنس شيء دون شيء، فإن قولنا الهندي يقع على كل منسوب إلى الهند وأما المهند فهو سيف منسوب إلى الهند فيصح أن يقال : عبد هندي وتمر هندي ولا يصح أن يقال : مهند وكذا الأبلق ولون آخر في فرس ولا يقال للثوب أبلق، كذلك الأفطس أنف فيه تقعير إذا قال لقائل : أنف أفطس فيكون كأنه قال أنف به فطس فيكون وصفه بالجثة وكان ينبغي أن لا يقال فرس أبلق ولا أنف أفطس ولا سيف مهند وهم يقولون فما الجواب ؟ وهذا السؤال يرد على الصرصر لأنها الريح الباردة، فإذا قال : ريح صرصر فليس ذلك كقولنا : ريح باردة فإن الصرصر هي الريح الباردة فحسب، فكأنه قال : ريح باردة فنقول : الألفاظ التي في معانيها أمران فصاعداً، كقولنا : عالم فإنه يدل على شيء له علم ففيه شيء وعلم هي على ثلاثة أقسام أحدها : أن يكون الحال هو المقصود والمحل تبع كما في العالم والضارب والأبيض فإن المقاصد في هذه الألفاظ العلم والضرب والبياض بخصوصها، وأما المحل فمقصود من حيث إنه على عمومه حتى أن البياض لو كان يبدل بلون غيره اختل مقصوده كالأسود.


الصفحة التالية
Icon