فصل


قال الفخر :
ثم بين الله تعالى حال قوم آخرين.
فقال :﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) ﴾
وقد تقدم تفسيره غير أنه في قصة عاد قال :﴿كَذَّبَتْ﴾ [ القمر : ١٨ ] ولم يقل : بالنذر، وفي قصة نوح قال :﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ بالنذر﴾ [ الشعراء : ١٠٥ ] فنقول : هذا يؤيد ما ذكرنا من أن المراد بقوله :﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ [ القمر : ٩ ] أن عادتهم ومذهبهم إنكار الرسل وتكذيبهم فكذبوا نوحاً بناء على مذهبهم وإنما صرح ههنا لأن كل قوم يأتون بعد قوم وأتاهما رسولان فالمكذب المتأخر يكذب المرسلين جميعاً حقيقة والأولون يكذبون رسولاً واحداً حقيقة ويلزمهم تكذيب من بعده بناء على ذلك لأنهم لما كذبوا من تقدم في قوله : الله تعالى واحد، والحشر كائن، ومن أرسل بعده كذلك قوله ومذهبه لزم منه أن يكذبوه ويدل على هذا أن الله تعالى قال في قوم نوح :﴿فَكَذَّبُوهُ فأنجيناه﴾ [ الأعراف : ٦٤ ] وقال في عاد :﴿وتلكَ عَادٌ جَحَدُواْ بآيات رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ واتبعوا﴾ [ هود : ٥٩ ] وأما قوله تعالى :﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين﴾ [ الشعراء : ١٠٥ ] فإشارة إلى أنهم كذبوا وقالوا ما يفضي إلى تكذيب جميع المرسلين، ولهذا ذكره بلفظ الجمع المعرف للاستغراق، ثم إنه تعالى قال هناك عن نوح :﴿رَبّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ﴾ [ الشعراء : ١١٧ ] ولم يقل : كذبوا رسلك إشارة إلى ما صدر منهم حقيقة لا أن ما ألزمهم لزمه.


الصفحة التالية
Icon