قوله :﴿إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة﴾ بمعنى الماضي أو بمعنى المستقبل، إن كان بمعنى الماضي فكيف يقول :﴿فارتقبهم واصطبر﴾ وإن كان بمعنى المستقبل فما الفرق بين حكاية عاد وحكاية ثمود حيث قال هناك :﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا﴾ [ القمر : ١٩ ] وقال ههنا :﴿إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة﴾ بمعنى إنا نرسل ؟ نقول : هو بمعنى المستقبل، وما قبله وهو قوله :﴿سَيَعْلَمُونَ غَداً﴾ يدل عليه، فإن قوله :﴿إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة﴾ كالبيان له، كأنه قال سيعلمون حيث : نرسل الناقة وما بعده من قوله :﴿فارتقبهم﴾ ﴿وَنَبّئْهُمْ﴾ [ القمر : ٢٨ ] أيضاً يقتضي ذلك، فإن قيل قوله تعالى :﴿فَنَادَوْاْ﴾ [ القمر : ٢٩ ] دليل على أن المراد الماضي قلنا سنجيب عنه في موضعه، وأما الفارق فنقول : حكاية ثمود مستقصاة في هذا الموضع حيث ذكر تكذيب القوم بالنذر وقولهم لرسولهم وتصديق الرسل بقوله :﴿سيَعْلَمُونَ﴾ وذكر المعجزة وهي الناقة وما فعلوه بها والعذاب والهلاك يذكر حكاية على وجه الماضي والمستقبل ليكون وصفه للنبي ﷺ كأنه حاضرها فيقتدي بصالح في الصبر والدعاء إلى الحق ويثق بربه في النصر على الأعداء بالحق فقال : إني مؤيدك بالمعجزة القاطعة، واعلم أن الله تعالى ذكر في هذه السورة خمس قصص، وجعل القصة المتوسطة مذكورة على أتم وجه لأن حال صالح كان أكثر مشابهة بحال محمد ﷺ، لأنه أتى بأمر عجيب أرضى كان أعجب مما جاء به الأنبياء، لأن عيسى عليه السلام أحيا الميت لكن الميت كان محلاً للحياة فأثبت بإذن الله الحياة في محل كان قابلاً لها، وموسى عليه السلام انقلبت عصاه ثعباناً فأثبت الله له في الخشبة الحياة لكن الخشبة نبات كان له قوة في النماء يشبه الحيوان في النمو فهو أعجب، وصالح عليه السلام كان الظاهر في يده خروج الناقة من الحجر والحجر جماد لا محل للحياة ولا محل للنمو ( فيه ) والنبي ﷺ أتى


الصفحة التالية