﴿فِتْنَةً﴾ مفعول له فتكون الفتنة هي المقصودة من الإرسال لكن المقصود منه تصديق النبي ﷺ، وهو صالح عليه السلام لأنه معجزة فما التحقيق في تفسيره ؟ نقول : فيه وجهان أحدهما : أن المعجزة فتنة لأن بها يتميز حال من يثاب ممن يعذب، لأن الله تعالى بالمعجزة لا يعذب الكفار إلا إذا كان ينبئهم بصدقه من حيث نبوته فالمعجزة ابتلاء لأنها تصديق وبعد التصديق يتميز المصدق عن المكذب وثانيهما : وهو أدق أن إخراج الناقة من الصخرة كان معجزة وإرسالها إليهم ودورانها فيما بينهم وقسمة الماء كان فتنة ولهذا قال :﴿إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة فِتْنَةً﴾ ولم يقل : إنا مخرجوا الناقة فتنة، والتحقيق في الفتنة والابتلاء والامتحان قد تقدم مراراً وإليه إشارة خفية وهي أن الله تعالى يهدي من يشاء وللهداية طرق، منها ما يكون على وجه يكون للإنسان مدخل فيه بالكسب، مثاله يخلق شيئاً دالاً ويقع تفكر الإنسان فيه ونظره إليه على وجه يترجح عنده الحق فيتبعه وتارة يلجئه إليه ابتداء ويصونه عن الخطأ من صغره فإظهار المعجز على يد الرسول أمر يهدي به من يشاء اهتداء مع الكسب وهداية الأنبياء من غير كسب منهم بل يخلق فيهم علوماً غير كسبية فقوله :﴿إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة فِتْنَةً﴾ إشارة إليهم، ولهذا قال لهم : ومعناه على وجه يصلح لأن يكون فتنة وعلى هذا كل من كانت معجزته أظهر يكون ثواب قومه أقل، وقوله تعالى :﴿فارتقبهم﴾ أي فارتقبهم بالعذاب، ولم يقل : فارتقب العذاب إشارة إلى حسن الأدب والاجتناب عن طلب الشر وقوله تعالى :﴿واصطبر﴾ يؤيد ذلك بمعنى إن كانوا يؤذونك فلا تستعجل لهم العذاب، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى قرب الوقت إلى أمرهما والأمر بحيث يعجز عن الصبر.
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨)


الصفحة التالية
Icon