كما في البيت حيث لا يمكن أن يقال : البيوض فراخ، وأما هنا يمكن أن يقال هم كهشيم ولولا الكاف لأمكن أن يقال : يجب حمل كان على صار إذا كان المراد أنهم انقلبوا هشيماً كما يقلب الممسوخ وليس المراد ذلك.
المسألة الثانية :
ما الهشيم ؟ نقول هو المهشوم أي المكسور وسمي هاشم هاشماً لهشمه الثريد في الجفان غير أن الهشيم استعمل كثيراً في الحطب المتكسر اليابس، فقال المفسرون : كانوا كالحشيش الذي يخرج من الحظائر بعد البلا بتفتت، واستدلوا عليه بقوله تعالى :﴿هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرياح﴾ [ الكهف : ٥٤ ] وهو من باب إقامة الصفة مقام الموصوف كما يقال : رأيت جريحاً ومثله السعير.
المسألة الثالثة :
لماذا شبههم به ؟ قلنا : يحتمل أن يكون التشبيه بكونهم يابسين كالحشيش بين الموتى الذين ماتوا من زمان وكأنه يقول : سمعوا الصيحة فكانوا كأنهم ماتوا من أيام، ويحتمل أن يكون لأنهم انضموا بعضهم إلى بعض كما ينضم الرفقاء عند الخوف داخلين بعضهم في بعض فاجتمعوا بعضهم فوق بعض كحطب الحاطب الذي يصفه شيئاً فوق شيء منتظراً حضور من يشتري منه شيئاً فإن الحطاب الذي عنده الحطب الكثير يجعل منه كالحظيرة، ويحتمل أن يكون ذلك لبيان كونهم في الجحيم أي كانوا كالحطب اليابس الذي للوقيد فهو محقق لقوله تعالى :﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ] وقوله تعالى :﴿فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾ [ الجن : ١٥ ] وقوله :﴿أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً﴾ [ نوح : ٢٥ ] كذلك ماتوا فصاروا كالحطب الذي لا يكون إلا للإحراق لأن الهشيم لا يصلح للبناء.
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢)
والتكرار للتذكار. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٩ صـ ٤٣ ـ ٥١﴾