وروي أن صالحاً عليه السلام كان يقول لهم : إن لم تتبعوني كنتم في ضلال عن الحق وسعر فعكسوا عليه لغاية عتوّهم فقالوا : إن اتبعناك كنا إذاً كما تقول، فالكلام من باب التعكيس والقول بالموجب، وجمع السعير باعتبار الدركات، أو للمبالغة، وروي عن ابن عباس ما يحتمل ما قلنا فإنه قال : أي لفي بعد عن الحق وعذاب، وفي رواية أخرى عنه تفسير السعر بالجنون على أنه اسم مفرد بمعنى ذلك يقال ناقة مسعورة إذا كانت تفرط في سيرها كأنها مجنونة قال الشاعر
: كأن بها ( سعراً ) إذا العيس هزها...
ذميل وإرخاء من السير متعب
والأول أوجه وأفصح.
﴿ أَءلْقِىَ الذّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا ﴾ أي أأنزل عليه الوحي من بيننا وفينا من هو أحس منه بذلك، والتعبير بألقي دون أنزل قيل : لأنه يتضمن العجلة في الفعل ﴿ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ﴾ أي شديد البطر وهو على ما قال الراغب : دهش يعتري من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها ووضعها إلى غير وجهها، ويقاربه الطرب وهو خفة أكثر ما تعتري من الفرح، ومرادهم ليس الأمر كذلك بل هو كذا وكذا حمله شدّة بطره وطلبه التعظيم علينا على ادعاء ذلك، وقرأ قتادة.
وأبو قلابة بل هو الكذب الأشر بلام التعريف فيهما وبفتح الشين وشدّ الراء، وسيأتي إن شاء الله تعالى قريباً ما في ذلك، وقوله تعالى :
﴿ سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الكذاب الاشر ﴾ حكاية لما قاله سبحانه وتعالى بصالح عليه السلام وعداً له ووعيداً لقومه، والسين لتقريب مضمون الجملة وتأكيده، والمراد بالغد وقت نزول العذاب الدنيوي بهم، وقيل : يوم القيامة فهو لمطلق الزمان المستقبل وعبر به لتقريبه، وعليه قول الطرماح :
ألا عللاني قبل نوح النوائح...
وقبل اضطراب النفس بين الجوانح
وقبل ( غد ) يا لهف نفسي على غد...
إذا راح أصحابي ولست برائح


الصفحة التالية
Icon