فصل


قال الفخر :
ثم بين حال قوم آخرون وهم قوم لوط فقال :
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣)
ثم بين عذابهم وإهلاكهم، فقال :
﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلآ ءَالَ لُوطٍ نجيناهم بِسَحَرٍ ﴾.
وفيه مسائل :
الأولى : الحاصب فاعل من حصب إذا رمى الحصباء وهي اسم الحجارة والمرسل عليهم هو نفس الحجارة قال الله تعالى :﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ﴾ [ الحجر : ٧٤ ] وقال تعالى عن الملائكة :﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِن طِينٍ﴾ [ الذاريات : ٣٣ ] فالمرسل عليهم ليس بحاصب فكيف الجواب عنه ؟ نقول : الجواب من وجوه الأول : أرسلنا عليهم ريحاً حاصباً بالحجارة التي هي الحصباء وكثر استعمال الحاصب في الريح الشديدة فأقام الصفة مقام الموصوف، فإن قيل : هذا ضعيف من حيث اللفظ والمعنى، أما اللفظ فلأن الريح مؤنثة قال تعالى :﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ [ الحاقة : ٦ ]، ﴿بِرِيحٍ طَيّبَةٍ﴾ [ يونس : ٢٢ ] وقال تعالى :﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِى بِأَمْرِهِ﴾ [ ص : ٣٦ ] وقال تعالى :﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ﴾ [ سبأ : ١٢ ] وقال تعالى في :﴿وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ﴾ [ الحجر : ٢٢ ] وما قال لقاحاً ولا لقحة، وأما المعنى فلأن الله تعالى بين أنه أرسل عليهم حجارة من سجيل مسومة عليها علامة كل واحد وهي لا تسمى حصباء، وكان ذلك بأيدي الملائكة لا بالريح، نقول : تأنيث الريح ليس حقيقة ولها أصناف الغالب فيها التذكير كالإعصار، قال تعالى :﴿فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ﴾ [ البقرة : ٢٦٦ ] فلما كان حاصب حجارة كان كالذي فيه نار، وأما قوله : كان الرمي بالسجيل لا بالحصباء، وبأيدي الملائكة لا بالريح، فنقول : كل ريح يرمي بحجارة يسمى حاصباً، وكيف لا والسحاب الذي يأتي بالبرد يسمى حاصباً تشبيهاً للبرد بالحصباء، فكيف لا يقال في السجيل.


الصفحة التالية
Icon