وفيه تبرئة لوط عليه السلام وبيان أنه أتى بما عليه فإنه تعالى لما رتب التعذيب على التكذيب وكان من الرحمة أن يؤخره ويقدم عليه الإنذارات البالغة بين ذلك فقال : أهلكناهم وكان قد أنذرهم من قبل، وفي قوله :﴿بَطْشَتَنَا﴾ وجهان أحدهما : المراد البطشة التي وقعت وكان يخوفهم بها، ويدل عليه قوله تعالى :﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حاصبا﴾ [ القمر : ٣٤ ] فكأنه قال : إنا أرسلنا عليهم ما سبق، ذكرها للإندار بها والتخويف وثانيهما : المراد بها ما في الآخرة كما في قوله تعالى :﴿يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى﴾ [ الدخان : ١٦ ] وذلك لأن الرسل كلهم كانوا ينذرون قومهم بعذاب الآخرة كما قال تعالى :﴿فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تلظى﴾ [ الليل : ١٤ ] وقال :﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة﴾ [ غافر : ١٨ ] وقال تعالى :﴿إِنَّا أنذرناكم عَذَاباً قَرِيباً﴾ [ النبأ : ٤٠ ] إلى غير ذلك، وعلى ذلك ففيه لطيفة وهي أن الله تعالى قال :﴿إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ﴾ [ البروج : ١٢ ] وقال ههنا :﴿بَطْشَتَنَا﴾ ولم يقل : بطشنا وذلك لأن قوله تعالى :﴿إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ﴾ بيان لجنس بطشه، فإذا كان جنسه شديداً فكيف الكبرى منه، وأما لوط عليه السلام فذكر لهم البطشة الكبرى لئلا يكون مقصراً في التبليغ، وقوله تعالى :﴿فَتَمَارَوْاْ بالنذر﴾ يدل على أن النذر هي الإنذارات.
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٧)


الصفحة التالية
Icon