أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣)
تنبيهاً لهم لئلا يأمنوا العذاب فإنهم ليسوا بخير من أولئك الذين أهلكوا وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
الخطاب مع أهل مكة فينبغي أن يكون كفارهم بعضهم وإلا لقال : أنتم خير من أولئكم، وإذا كان كفارهم بعضهم فكيف قال :﴿أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ﴾ ولم يقل : أم لهم كما يقول القائل : جاءنا الكرماء فأكرمناهم، ولا يقول : فأكرمناكم ؟ نقول : الجواب عنه من وجهين أحدهما : أن المراد منه أكفاركم المستمرون على الكفر الذين لا يرجعون وذلك لأن جمعاً عظيماً ممن كان كافراً من أهل مكة يوم الخطاب أيقنوا بوقوع ذلك، والعذاب لا يقع إلا بعد العلم بأنه لم يبق من القوم من يؤمن فقال : الذين يصرون منكم على الكفر يا أهل مكة خير، أم الذين أصروا من قبل ؟ فيصح كون التهديد مع بعضهم، وأما قوله تعالى :﴿أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ﴾ ففيه وجهان أحدهما : أم لكم لعمومكم براءة فلا يخاف المصر منكم لكونه في قوم لهم براءة وثانيهما : أم لكم براءة إن أصررتم فيكون الخطاب عاماً والتهديد كذلك، فالشرط غير مذكور وهو الإصرار.
المسألة الثانية :
ما المراد بقوله :﴿خَيْرٌ﴾، وقول القائل : خير يقتضي اشتراك أمرين في صفة محمودة مع رجحان أحدهما على الآخر ولم يكن فيهم خير ولا صفة محمودة ؟ نقول : الجواب عنه من وجوه أحدها : منع اقتضاء الاشتراك يدل عليه قول حسان :
( أتهجوه ولست له بكفء ).. فشركما لخيركما الفداء


الصفحة التالية
Icon