ما المراد من قوله :﴿وَأَمَرُّ﴾ ؟ قلنا : فيه وجهان أحدهما : هو مبالغة من المر وهو مناسب لقوله تعالى :﴿فَذُوقُواْ عَذَابِى﴾ [ القمر : ٣٧ ] وقوله :﴿ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ﴾ [ القمر : ٤٨ ] وعلى هذا فأدهى أي أشد وأمر أي الم، والفرق بين الشديد والأليم أن الشديد يكون إشارة إلى أنه لا يطيقه أحد لقوته ولا يدفعه أحد بقوته، مثاله ضعيف ألقى في ماء يغلبه أو نار لا يقدر على الخلاص منها، وقوي ألقي في بحر أو نار عظيمة يستويان في الألم ويتساويان في الإيلام لكن يفترقان في الشدة فإن نجاة الضعيف من الماء الضعيف بإعانة معين ممكن، ونجاة القوي من البحر العظيم غير ممكن ثانيهما : أمر مبالغة في المار إذ هي أكثر مروراً بهم إشارة إلى الدوام، فكأنه يقول : أشد وأدوم، وهذا مختص بعذاب الآخرة، فإن عذاب الدنيا إن اشتد قتل المعذب وزال فلا يدوم وإن دام بحيث لا يقتل فلا يكون شديداً ثالثها : أنه المرير وهو من المرة التي هي الشدة، وعلى هذا فإما أن يكون الكلام كما يقول القائل : فلان نحيف نحيل وقوي شديد، فيأتي بلفظين مترادفين إشارة إلى التأكيد وهو ضعيف، وإما أن يكون أدهى مبالغة من الداهية التي هي اسم الفاعل من دهاه أمر كذا إذا أصابه، وهو أمر صعب لأن الداهية صارت كالاسم الموضوع للشديد على وزن الباطية والسائبة التي لا تكون من أسماء الفاعلين، وإن كانت الداهية أصلها ذلك، غير أنها استعملت استعمال الأسماء وكتبت في أبوابها وعلى هذا يكون معناه ألزم وأضيق، أي هي بحيث لا تدفع.
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٤٧)
ثم قال تعالى :﴿إن المجرمين في ضلال وسعر﴾ وفي الآية مسائل :


الصفحة التالية
Icon