أما السعر فكونهم فيها ظاهر، وأما الضلال فلا يجدون إلى مقصدهم أو إلى ما يصلح مقصداً وهم متحيرون سبيلاً، فإن قيل : الصحيح هو الوجه الأخير لا غير لأن قوله تعالى :﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ﴾ ظرف القول أي يوم يسحبون يقال لهم ذوقوا، وسنبين ذلك فنقول :﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ﴾ يحتمل أن يكون منصوباً بعامل مذكور أو مفهوم غير مذكور، والاحتمال الأول له وجهان أحدهما : العامل سابق وهو معنى كائن ومستقر غير أن ذلك صار نسياً منسياً ثانيهما : العامل متأخر وهو قوله :﴿ذُوقُواْ﴾ تقديره : ذوقوا مس سقر يوم يسحب المجرمون، والخطاب حينئذ مع من خوطب بقوله :﴿أكفاركم خَيْرٌ مّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ﴾ [ القمر : ٤٣ ] والاحتمال الثالث : أن المفهوم هو أن يقال لهم : يوم يسحبون ذوقوا، وهذا هو المشهور، وقوله تعالى :﴿ذُوقُواْ﴾ استعارة وفيه حكمة وهو أن الذوق من جملة الإدراكات فإن المذوق إذا لاقى اللسان يدرك أيضاً حرارته وبرودته وخشونته وملاسته، كما يدرك سائر أعضائه الحسية ويدرك أيضاً طعمه ولا يدركه غير اللسان، فإدراك اللسان أتم، فإذا تأذى من نار تأذى بحرارته ومرارته إن كان الحار أو غيره لا يتأذى إلا بحرارته فإذن الذوق إدراك لمسي أتم من غيره في الملموسات فقال :﴿ذُوقُواْ﴾ إشارة إلى أن إدراكهم بالذوق أتم الإدراكات فيجتمع في العذاب شدته وإيلامه بطول مدته ودوامه، ويكون المدرك له لا عذر له يشغله وإنما هو على أتم ما يكون من الإدراك فيحصل الألم العظيم.
وقد ذكرنا أن على قول الأكثرين يقال لهم أو نقول مضمر.
وقد ذكرنا أنه لا حاجة إلى الإضمار إذا كان الخطاب مع غير من قيل في حقهم :﴿إِنَّ المجرمين فِى ضلال﴾ فإنه يصير كأنه قال : ذوقوا أيها المكذبون بمحمد ﷺ مس سقر يوم يسحب المجرمون المتقدمون في النار. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٩ صـ ٥٧ ـ ٦٤﴾