أصل، وهو أقوى. والمستعار له فرع، وهو أضعف. وهذا مطّرد فى سائر الاستعارات، فإذا تقرر ذلك كان قوله تعالى : سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ من هذا القبيل.
فالمستعار منه هاهنا ما يجوز فيه الشغل، وهو أفعال العباد، والمستعار له ما لا يجوز فيه الشغل، وهو أفعال اللّه تعالى. والمعنى الجامع لهما الوعيد، إلا أن الوعيد بقول «١» القائل :
سأتفرع لعقوبتك، أقوى من الوعيد بقوله : سأعاقبك. من قبل أنه كأنما قال : سأتجرد لمعاقبتك، كأنه يريد استفراغ قوّته فى العقوبة له.
ثم جاء القرآن على مطرح كلام العرب، لأن معناه أسبق إلى النفس، وأظهر للعقل، والمراد به تغليظ الوعيد، والمبالغة فى التحذير. ومثل ذلك قوله تعالى فى المدّثّر، عليه الصلاة والسلام : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً «٢» فالمستعار منه هاهنا ما يجوز فيه المنع، وهو أفعال العباد، والمستعار له ما لا يجوز فيه المنع، وهو أفعال القديم سبحانه كما قلنا أولا.
والمعنى الجامع لهما التخويف والتهديد.
والتهديد بقول القائل : ذرنى وفلانا- إذا أراد المبالغة فى وعيده- أقوى من قوله :
خوّف فلانا من عقوبتى، وحذّره من سطوتى. وهذا بيّن بحمد اللّه تعالى.
وقد يجوز أن يكون لذلك وجه آخر، وهو أن يكون معنى قوله تعالى : سَنَفْرُغُ لَكُمْ أي سنفرّغ لكم ملائكتنا الموكّلين بالعذاب، والمعدين لعقاب أهل النار.
ونظير ذلك قوله تعالى : وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا «٣» أي جاء ملائكة ربّك.
ويكون تقدير الكلام : وجاء ملائكة ربّك وهم صفّا صفّا. كما تقول : أقبل القوم وهم

(١) فى الأصل «يقول» على أنها فعل مضارع. وهو تحريف من الناسخ.
(٢) سورة المدثر. الآية رقم ١١.
(٣) سورة الفجر. الآية رقم ٢٢.


الصفحة التالية
Icon