ثم بين بعض نعمه فيها لبعض خلقه فقال "فِيها فاكِهَةٌ" عظيمة متنوعة "وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ" (١١) الأوعية التي يكون فيها التمر وهي الطّلع وقد خصه دون سائر الأشجار لأنه أعظمها نفعا وبركة، والنّخل كله نفع فثمره غذاء وفاكهة ويدخر حولا فأكثر، وشجرة يبرم من ليفه الحبال، ومن خوصه الحصر والسّلال، ومن سعفه المقاعد والتخوت، وجذوعه لا تؤثر فيها الأرضة، وتعمر كثيرا، ولذلك يجعلونها في السّقوف بخلاف بقية الأشجار، إذ لا يوجد فيها ما يوجد في النّخل من المنافع "وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ" التين ويدخل فيه كافة الحبوب "وَالرَّيْحانُ" (١٢) ذو الرّائحة الطّيبة وكلّ ذي ريح طيب من النّبات والأزهار يطلق عليه ريحان وهو نبات مخصوص معروف في
كافة البلاد الشّرقية بهذا الاسم وفي لغة حمير يقال له الرّزق فهذا وما تفرع عنه يخرج من الأرض المخلوقة بما فيها لكم أيها الثقلان "فَبِأَيِّ آلاءِ" نعم وأفضال "رَبِّكُما تُكَذِّبانِ" (١٣) أيها الإنس والجن، وقد كرر اللّه تعالى هذه الآية في هذه السّورة إحدى وثلاثين مرة ولم تذكر في غير هذه السّورة أبدا في جميع القرآن، وإنما وقع هذا التكرار تقريرا لنعم اللّه وأفضاله على خلقه، وتأكيدا على التذكير بها، وتنبيها على لزوم شكرها، وليتفكر الثقلان فيها فيفهم قدرها ويعظم أمرها ويحمد التفضل بها.
أخرج الترمذي عن جابر قال خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرّحمن فسكتوا، فقال لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن منكم ردّا، كنت كلما أتيت على قوله تعالى (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد.


الصفحة التالية
Icon