وفيه وجوه أولها مشرق الشمس والقمر ومغربهما، والبيان حينئذ في حكم إعادة ما سبق مع زيادة، لأنه تعالى لما قال :﴿الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ﴾ [ الرحمن : ٥ ] دل على أن لهما مشرقين ومغربين، ولما ذكر :﴿خَلَقَ الإنسان * عَلَّمَهُ البيان﴾ [ الرحمن : ٣، ٤ ] دل على أنه مخلوق من شيء فبين أنه الصلصال الثاني : مشرق الشتاء ومشرق الصيف فإن قيل : ما الحكمة في اختصاصهما مع أن كل يوم من ستة أشهر للشمس مشرق ومغرب يخالف بعضها البعض ؟ نقول : غاية انحطاط الشمس في الشتاء وغاية ارتفاعها في الصيف والإشارة إلى الطرفين تتناول ما بينهما فهو كما يقول القائل في وصف ملك عظيم له المشرق والمغرب ويفهم أن له ما بينهما أيضاً الثالث : التثنية إشارة إلى النوعين الحاصرين كما بينا أن كل شيء فإنه ينحصر في قسمين فكأنه قال : رب مشرق الشمس ومشرق غيرها فهما مشرقان فتناول الكل، أو يقال : مشرق الشمس والقمر وما يغرض إليهما العاقل من مشرق غيرهما فهو تثنية في معنى الجمع.
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
في تعلق الآية بما قبلها فنقول : لما ذكر تعالى المشرق والمغرب وهما حركتان في الفلك ناسب ذلك ذكر البحرين لأن الشمس والقمر يجريان في الفلك كما يجري الإنسان في البحر قال تعالى :﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [ الأنبياء : ٣٣ ] فذكر البحرين عقيب المشرقين والمغربين ولأن المشرقين والمغربين فيهما إشارة إلى البحر لانحصار البر والبحر بين المشرق والمغرب، لكن البر كان مذكوراً بقوله تعالى :﴿والأرض وَضَعَهَا﴾ [ الرحمن : ١٠ ] فذكر ههنا مالم يكن مذكوراً.
المسألة الثانية :