وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ خَلَقَ الإنسان ﴾
لما ذكر سبحانه خلق العالم الكبير من السماء والأرض، وما فيهما من الدلالات على وحدانيته وقدرته ذكر خلق العالم الصغير فقال :﴿ خَلَقَ الإنسان ﴾ باتفاق من أهل التأويل يعني آدم.
﴿ مِن صَلْصَالٍ كالفخار ﴾ الصلصال الطين اليابس الذي يسمع له صلصلة، شبهه بالفَخَّار الذي طبخ.
وقيل : هو طين خلط برمل.
وقيل : هو الطين المنتن من صَلَّ اللحمُ وأَصلَّ إذا أنتن ؛ وقد مضى في "الحجر".
وقال هنا :﴿ مِن صَلْصَالٍ كالفخار ﴾ وقال هناك :﴿ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴾ [ الحجر : ٢٦ ].
وقال :﴿ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ ﴾ [ الصافات : ١١ ] وقال :﴿ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ﴾ [ آل عمران : ٥٩ ] وذلك متفق المعنى ؛ وذلك أنه أخذ من تراب الأرض فعجنه فصار طيناً، ثم انتقل فصار كالحمإ المسنون، ثم انتقل فصار صلصالاً كالفخَّار.
﴿ وَخَلَقَ الجآن مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ ﴾ قال الحسن : الجانّ إبليس وهو أبو الجنّ.
وقيل : الجانّ واحد الجنّ، والمارج اللهب ؛ عن ابن عباس، وقال : خلق الله الجانَّ من خالص النار.
وعنه أيضاً من لسانها الذي يكون في طرفها إذا التهبت.
وقال الليث : المارج الشُّعْلة الساطعة ذات اللهب الشديد.
وعن ابن عباس أنه اللهب الذي يعلو النار فيختلط بعضه ببعض أحمر وأصفر وأخضر ؛ ونحوه عن مجاهد ؛ وكله متقارب المعنى.
وقيل : المارج كل أمر مرسل غير ممنوع، ونحوه قول المبرد ؛ قال المبرد : المارج النار المرسلة التي لا تمنع.
وقال أبو عبيدة والحسن : المارج خلط النار، وأصله من مرج إذا اضطرب واختلط ؛ ويروى أن الله تعالى خلق نارين فمرج إحداهما بالأخرى، فأكلت إحداهما الأخرى وهي نار السموم فخلق منها إبليس.