في وجه الترتيب وهو على وجهين أحدهما : ما ذكرنا أن المراد من علم علم الملائكة وتعليمه الملائكة قبل خلق الإنسان، فعلم تعالى ملائكته المقربين القرآن حقيقة يدل عليه قوله تعالى :﴿إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ * فِي كتاب مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون﴾ [ الواقعة : ٧٧ ٧٩ ] ثم قال تعالى :﴿تَنزِيلٌ مّن رَّبّ العالمين﴾ [ الواقعة : ٨٠ ] إشارة إلى تنزيله بعد تعليمه، وعلى هذا ففي النظم حسن زائد وذلك من حيث إنه تعالى ذكر أموراً علوية وأموراً سفلية، وكل علوي قابله بسفلي، وقدم العلويات على السفليات إلى آخر الآيات، فقال :﴿عَلَّمَ القرءان﴾ إشارة إلى تعليم العلويين، وقال :﴿عَلَّمَهُ البيان﴾ إشارة إلى تعليم السفليين، وقال :﴿الشمس والقمر﴾ [ الرحمن : ٥ ] في العلويات وقال في مقابلتهما من السفليات :﴿والنجم والشجر يَسْجُدَانِ﴾ [ الرحمن : ٦ ].
ثم قال تعالى :﴿والسماء رَفَعَهَا﴾ [ الرحمن : ٧ ] وفي مقابلتها :﴿والأرض وَضَعَهَا﴾ [ الرحمن : ١٠ ]، وثانيهما : أن تقديم تعليم القرآن إشارة إلى كونه أتم نعمة وأعظم إنعاماً، ثم بين كيفية تعليم القرآن، فقال :﴿خَلَقَ الإنسان * عَلَّمَهُ البيان﴾ وهو كقول القائل : علمت فلاناً الأدب حملته عليه، وأنفقت عليه مالي، فقوله : حملته وأنفقت بيان لما تقدم، وإنما قدم ذلك لأنه الإنعام العظيم.
المسألة الثانية :
ما الفرق بين هذه السورة وسورة العلق، حيث قال هناك :﴿اقرأ باسم رَبّكَ الذي خَلَقَ﴾ [ العلق : ١ ] ثم قال :﴿وَرَبُّكَ الأكرم الذي عَلَّمَ بالقلم﴾ [ العلق : ٣، ٤ ] فقدم الخلق على التعليم ؟ نقول : في تلك السورة لم يصرح بتعليم القرآن فهو كالتعليم الذي ذكره في هذه السورة بقوله :﴿عَلَّمَهُ البيان﴾ بعد قوله :﴿خَلَقَ الإنسان ﴾.
المسألة الثالثة :