في تقديم النجم على الشجر موازنة لفظية للشمس والقمر وأمر معنوي، وهو أن النجم في معنى السجود أدخل لما أنه ينبسط على الأرض كالساجد حقيقة، كما أن الشمس في الحسبان أدخل، لأن حساب سيرها أيسر عند المقومين من حساب سير القمر، إذ ليس عند المقومين أصعب من تقويم القمر في حساب الزيج.
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧)
ورفع السماء معلوم معنى، ونصبها معلوم لفظاً فإنها منصوبة بفعل يفسره قوله :﴿رَفَعَهَا﴾ كأنه تعالى قال : رفع السماء، وقرىء ﴿والسماء﴾ بالرفع على الابتداء والعطف على الجملة الابتدائية التي هي قوله :﴿الشمس والقمر﴾ [ الرحمن : ٥ ] وأما وضع الميزان فإشارة إلى العدل وفيه لطيفة وهي أنه تعالى بدأ أولاً بالعلم ثم ذكر ما فيه أشرف أنواع العلوم وهو القرآن، ثم ذكر العدل وذكر أخص الأمور له وهو الميزان، وهو كقوله تعالى :﴿وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان﴾ [ الحديد : ٢٥ ] ليعمل الناس بالكتاب ويفعلوا بالميزان ما يأمرهم به الكتاب فقوله :﴿عَلَّمَ القرءان﴾ [ الرحمن : ٢ ] ﴿وَوَضَعَ الميزان﴾ مثل :﴿وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان﴾ فإن قيل : العلم لا شك في كونه نعمة عظيمة، وأما الميزان فما الذي فيه من النعم العظيمة التي بسببها يعد في الآلاء ؟ نقول : النفوس تأبى الغبن ولا يرضى أحد بأن يغلبه الآخر ولو في الشيء اليسير، ويرى أن ذلك استهانة به فلا يتركه لخصمه لغلبة، فلا أحد يذهب إلى أن خصمه يغلبه فلولا التبيين ثم التساوي لأوقع الشيطان بين الناس البغضاء كما وقع عند الجهل وزوال العقل والسكر، فكما أن العقل والعلم صارا سبباً لبقاء عمارة العالم، فكذلك العدل في الحكمة سبب، وأخص الأسباب الميزان فهو نعمة كاملة ولا ينظر إلى عدم ظهور نعمته لكثرته وسهولة الوصول إليه كالهواء والماء اللذين لا يتبين فضلهما إلا عند فقدهما.
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨)


الصفحة التالية
Icon