وقوله تعالى :﴿وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط﴾ يدل على أن المراد من قوله :﴿أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِى الميزان﴾ هو بمعنى لا تطغوا في الوزن، لأن قوله :﴿وَأَقِيمُواْ الوزن﴾ كالبيان لقوله :﴿أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الميزان﴾ وهو الخروج عن إقامته بالعدل، وقوله :﴿وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط﴾ يحتمل وجهين أحدهما : أقيموا بمعنى قوموا به كما في قوله تعالى :﴿وأقيموا الصلاة﴾ [ البقرة : ٤٣ ] أي قوموا بها دواماً، لأن الفعل تارة يعدى بحرف الجر، وتارة بزيادة الهمزة، تقول : أذهبه وذهب به ثانيها : أن يكون أقيموا بمعنى قوموا، يقال : في العود أقمته وقومته، والقسط العدل، فإن قيل : كيف جاء قسط بمعنى جار لا بمعنى عدل ؟ نقول : القسط اسم ليس بمصدر، والأسماء التي لا تكون مصادر إذا أتى بها آت أو وجدها موجد، يقال فيها : أفعل بمعنى أثبت، كما قال : فلان أطرف وأتحف وأعرف بمعنى جاء بطرفة وتحفة وعرف، وتقول : أقبض السيف بمعنى أثبت له قبضة، واعلم الثوب بمعنى جعل له علماً، واعلم بمعنى أثبت العلامة، وكذا ألجم الفرس وأسرج، فإذا أمر بالقسط أو أثبته فقد أقسط، وهو بمعنى عدل، وأما قسط فهو فعل من اسم ليس بمصدر، والاسم إذا لم يكن مصدراً في الأصل، ويورد عليه فعل فربما يغيره عما هو عليه في أصله، مثاله الكتف إذا قلت كتفته كتافاً فكأنك قلت : أخرجته عما كان عليه من الانتفاع وغيرته، فإن معنى كتفته شددت كتفيه بعضهما إلى بعض فهو مكتوف، فالكتف كالقسط صارا مصدرين عن اسم وصار الفعل معناه تغير عن الوجه الذي ينبغي أن يكون، وعلى هذا لا يحتاج إلى أن يقال : القاسط والمقسط ليس أصلهما واحداً وكيف كان يمكن أن يقال : أقسط بمعنى أزال القسط، كما يقال : أشكى بمعنى أزال الشكوى أو أعجم بمعنى أزال العجمة، وهذا البحث فيه فائدة فإن قول القائل : فلان أقسط من فلان وقال الله تعالى :﴿ذلكم أَقْسَطُ عِندَ الله﴾ [ البقرة : ٢٨٢ ]