والميزان ذكره الله تعالى ثلاث مرات كل مرة بمعنى آخر، فالأول هو الآلة ﴿وَوَضَعَ الميزان﴾ [ الرحمن : ٧ ]، والثاني بمعنى المصدر ﴿أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الميزان﴾ [ الرحمن : ٨ ] أي الوزن، والثالث للمفعول :﴿وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان﴾ أي الموزون، وذكر الكل بلفظ الميزان لما بينا أن الميزان أشمل للفائدة وهو كالقرآن ذكره الله تعالى بمعنى المصدر في قوله تعالى :﴿فاتبع قُرْءَانَهُ﴾ [ القيامة : ١٨ ] وبمعنى المقروء في قوله :﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ﴾ [ القيامة : ١٧ ] وبمعنى الكتاب الذي فيه المقروء في قوله تعالى :﴿وَلَوْ أَنَّ قُرءَانًا سُيّرَتْ بِهِ الجبال﴾ [ الرعد : ٣١ ] فكأنه آلة ومحل له، وفي قوله تعالى :﴿ءاتيناك سَبْعًا مّنَ المثاني والقرءان العظيم﴾ [ الحجر : ٨٧ ] وفي كثير من المواضع ذكر القرآن لهذا الكتاب الكريم، وبين القرآن والميزان مناسبة، فإن القرآن فيه من العلم مالا يوجد في غيره من الكتب، والميزان فيه من العدل مالا يوجد في غيره من الآلات، فإن قيل : ما الفائدة في تقديم السماء على الفعل حيث قال :﴿والسماء رَفَعَهَا﴾ وتقديم الفعل على الميزان حيث قال :﴿وَوَضَعَ الميزان﴾ [ الرحمن : ٧ ] نقول : قد ذكرنا مراراً أن في كل كلمة من كلمات الله فوائد لا يحيط بها علم البشر إلا ما ظهر والظاهر ههنا أنه تعالى لما عد النعم الثمانية كما بينا وكان بعضها أشد اختصاصاً بالإنسان من بعض فما كان شديد الاختصاص بالإنسان قدم فيه الفعل، كما بينا أن الإنسان يقول : أعطيتك الألوف وحصلت لك العشرات، فلا يصرح في القليل بإسناد الفعل إلى نفسه، وكذلك يقول : في النعم المختصة، أعطيتك كذا، وفي التشريك وصل إليك مما اقتسمتم بينكم كذا، فيصرح بالإعطاء عند الاختصاص، ولا يسند الفعل إلى نفسه عند التشريك، فكذلك ههنا ذكر أموراً أربعة بتقديم الفعل، قال تعالى :{عَلَّمَ القرءان * خَلَقَ الإنسان *


الصفحة التالية
Icon