البحث الرابع : ما معنى :﴿ذَاتُ الأكمام﴾ ؟ نقول : فيه وجهان أحدهما : الأكمام كل ما يغطي جمع كم بضم الكاف، ويدخل فيه لحاؤها وليفها ونواها والكل منتفع به، كما أن النخل منتفع بها وأغصانها وقلبها الذي هو الجمار ثانيهما : الأكمام جمع كم بكسر الكاف وهو وعاء الطلع فإنه يكون أولاً في وعاء فينشق ويخرج منه الطلع، فإن قيل على الوجه الأول :﴿ذَاتُ الأكمام﴾ في ذكرها فائدة لأنها إشارة إلى أنواع النعم، وأما على الوجه الثاني فما فائدة ذكرها ؟ نقول : الإشارة إلى سهولة جمعها والانتفاع بها فإن النخلة شجرة عظيمة لا يمكن هزها لتسقط منها الثمرة فلا بد من قطف الشجرة فلو كان مثل الجميز الذي يقال : إنه يخرج من الشجرة متفرقاً واحدة واحدة لصعب قطافها فقال :﴿ذَاتُ الأكمام﴾ أي يكون في كم شيء كثير إذا أخذ عنقود واحد منه كفى رجلا واثنين كعناقيد العنب، فانظر إليها فلو كان العنب حباتها في الأشجار متفرقة كالجميز والزعرور لم يمكن جمعه بالهز متى أريد جمعه، فخلقه الله تعالى عناقيد مجتمعة، كذلك الرطب فكونها ﴿ذَاتُ الأكمام﴾ من جملة إتمام الإنعام.
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (١٢)
اقتصر من الأشجار على النخل لأنها أعظمها ودخل في الحب القمح والشعير وكل حب يقتات به خبزاً أو يؤدم به بينا أنه أخره في الذكر على سبيل الارتقاء درجة فدرجة فالحبوب أنفع من النخل وأعم وجوداً في الأماكن.


الصفحة التالية
Icon