والجواب : من وجوه أحدها : أن المقتضى للحرمة قائم في الميتة والدم، إلا أنه زالت الحرمة لقيام المعارض، فلما كان تناوله تناولا لما حصل فيه المقتضى للحرمة عبر عنه بالمغفرة، ثم ذكر بعده أنه رحيم، يعني لأجل الرحمة عليكم أبحت لكم ذلك وثانيها : لعل المضطر يزيد على تناول الحاجة، فهو سبحانه غفور بأن يغفر ذنبه في تناول الزيادة، رحيم حيث أباح في تناول قدر الحاجة وثالثها : أنه تعالى لما بين هذه الأحكام عقبها بكونه غفوراً رحيماً لأنه غفور للعصاة إذا تابوا، رحيم بالمطيعين المستمرين على نهج حكمه سبحانه وتعالى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ١٣﴾
وقال الشيخ الطاهر بن عاشور :
وقوله :﴿إن الله غفور رحيم﴾ تذييل قصد به الامتنان، أي إن الله موصوف بهذين الوصفين فلا جرم أن يغفر للمضطر أكل الميتة لأنه رحيم بالناس، فالمغفرة هنا بمعنى التجاوز عما تمكن المؤاخذة عليه لا بمعنى تجاوز الذنب، ونحوه قوله ﷺ في رؤيا القليب " وفي نزعه ضعف والله يغفر له ". ومعنى الآية : أن رفع الإثم عن المضطر حكم يناسب من اتصف بالمغفرة والرحمة. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ١٢١ ـ ١٢٢﴾
وقال السعدى :
ولما كان الحل مشروطا بهذين الشرطين، وكان الإنسان في هذه الحالة، ربما لا يستقصي تمام الاستقصاء في تحقيقها - أخبر تعالى أنه غفور، فيغفر ما أخطأ فيه في هذه الحال، خصوصا وقد غلبته الضرورة، وأذهبت حواسه المشقة.
وفي هذه الآية دليل على القاعدة المشهورة :" الضرورات تبيح المحظورات " فكل محظور، اضطر إليه الإنسان، فقد أباحه له، الملك الرحمن. [فله الحمد والشكر، أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا]. أ هـ ﴿تفسير السعدى صـ ٨١﴾


الصفحة التالية
Icon