أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢)
(سورة العنكبوت)
ومعناها : هل ظن الناس أن يتركوا دون اختبار لإيمانهم ؟. هذا حساب ليس بالرقم، وإنما حساب بالفكر، والحساب بالفكر يمكن أن يخطئ، ولذلك نسميه الظن. والحق سبحانه يقول :
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥)
(سورة المؤمنون)
إذن، فكلمة " حساب" تأتي مرة بمعنى الشيء المحسوب والمعدود، ومرة ثانية في المعنويات، ونعرفها بالفعل، فإذا قلت : حسب يحسب ؛ فالمعنى عد. وإذا قلت : حسب يحسب ؛ فهي للظن. وفيه ماض وفيه مضارع، إن كنت تريد العد الرقمي الذي لا يختلف فيه أحد تقول :" حسب بفتح السين في الماضي وبكسرها في المضارع يحسب". وإن أردت بها حسبان الظن الذي يحدث فيه خلل تقول :" حسب" بالكسر، والمضارع " يحسب" بالفتح. وعندما يتكلم الحق سبحانه وتعالى عن حساب الآخرة، فمعنى ذلك أنه شيء محسوب، لكن إذا بولغ في المحسوب يكون حسبانا، وكما نقول :" غفر غفراً" و" شكر شكراً"، يمكن أن نقول :" غفر غفراناً" و" شكر شكراناً". كذلك " حسب حسباناً"، والحسبان هو الحساب الدقيق جدا الذي لا يخطئ أبداً. ولذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى بكلمة " حسبان" في الأمور الدقيقة التي خلقت بقدر ونظام دقيق ؛ إن اختل فيها شيء يحدث خلل في الكون، فيقول :
الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (٥)
(سورة الرحمن)
أي أن الكون يسير بنظام دقيق جدا ؛ لا يختل أبدا، لأنه لو حدث أدنى خلل في أداء الشمس والقمر لوظيفتيهما ؛ فنظام الكون يفسد. لذلك لم يقل الحق :" الشمس والقمر بحساب"، وإنما قال :" بحسبان" وبعد ذلك فيه فرق بين " الحسبان" و" المحسوب بالحسبان" ؛ والحق سبحانه وتعالى حينما يقول :


الصفحة التالية
Icon