وفيه لطائف : الأولى : التعريف في عذاب جهنم قال :﴿هذه جَهَنَّمُ﴾ [ الرحمن : ٤٣ ] والتنكير في الثواب بالجنة إشارة إلى أن كثرة المراتب التي لا تحد ونعمه التي لا تعد، وليعلم أن آخر العذاب جهنم وأول مراتب الثواب الجنة ثم بعدها مراتب وزيادات الثانية : قد ذكرنا في تفسير قوله تعالى :﴿فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ ق : ٤٥ ] أن الخوف خشية سببها ذل الخاشي، والخشية خوف سببه عظمة المخشى، قال تعالى :﴿إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء﴾ [ فاطر : ٢٨ ] لأنهم عرفوا عظمة الله فخافوه لا لذل منهم، بل لعظمة جانب الله، وكذلك قوله :﴿مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ﴾ [ المؤمنون : ٥٧ ] وقال تعالى :﴿لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خاشعا مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ الله﴾ [ الحشر : ٢١ ] أي لو كان المنزل عليه العالم بالمنزل كالجبل العظيم في القوة والارتفاع لتصدع من خشية الله لعظمته، وكذلك قوله تعالى :﴿وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تخشاه﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ] وإنما قلنا : إن الخشية تدل على ما ذكرنا لأن الشيخ للسيد والرجل الكبير يدل على حصول معنى العظمة في خ ش ي، وقال تعالى في الخوف :﴿وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا﴾ [ طه : ٢١ ] لما كان الخوف يضعف في موسى، وقال :﴿لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ﴾ [ العنكبوت : ٣٣ ] وقال :﴿فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ﴾ [ الشعراء : ١٤ ] وقال إني :﴿خِفْتُ الموالى مِن وَرَائِى﴾ [ مريم : ٥ ] ويدل عليه تقاليب خ و ف فإن قولك خفي قريب منه، والخافي فيه ضعف والأخيف يدل عليه أيضاً، وإذا علم هذا فالله تعالى مخوف ومخشي، والعبد من الله خائف وخاش، لأنه إذا نظر إلى نفسه رآها في غاية الضعف فهو خائف، وإذا نظر إلى حضرة الله رآها في غاية العظمة فهو خاش، لكن درجة الخاشي فوق درجة الخائف، فلهذا قال :{إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ