هي أن قوله :﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ [ الرحمن : ٤٨ ] و ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ﴾ و ﴿فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ﴾ كلها أوصاف للجنتين المذكورتين فهو كالكلام الواحد تقديره : جنتان ذواتا أفنان، ثابت فيهما عينان، كائن فيهما من كل فاكهة زوجان، فإن قيل : ما الفائدة في فصل بعضها عن بعض بقوله تعالى :﴿فَبِأَىّ ءَالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ ثلاث مرات مع أنه في ذكر العذاب ما فصل بين كلامين بها حيث قال :﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ﴾ [ الرحمن : ٣٥ ] مع أن إرسال نحاس غير إرسال شواظ، وقال :﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ﴾ [ الرحمن : ٤٤ ] مع أن الحميم غير الجحيم، وكذا قال تعالى :﴿هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذّبُ بِهَا المجرمون﴾ [ الرحمن : ٤٣ ] وهو كلام تام، وقوله تعالى :﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ﴾ [ الرحمن : ٤٤ ] كلام آخر ولم يفصل بينهما بالآية المذكورة ؟ نقول : فيه تغليب جانب الرحمة، فإن آيات العذاب سردها سرداً وذكرها جملة ليقصر ذكرها، والثواب ذكره شيئاً فشيئاً، لأن ذكره يطيب للسامع فقال بالفصل وتكرار عود الضمير إلى الجنس بقوله :﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ﴾، ﴿فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة﴾ لأن إعادة ذكر المحبوب محبوب، والتطويل بذكر اللذات مستحسن.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon