وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
فيه مسألتان :
الأولى : لما ذكر أحوال أهل النار ذكر ما أعدّ للأبرار.
والمعنى خاف مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية.
ف "مَقَامَ" مصدر بمعنى القيام.
وقيل : خاف قيام ربه عليه أي إشرافه واطلاعه عليه ؛ بيانه قوله تعالى :﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [ الرعد : ٣٣ ] وقال مجاهد وإبراهيم النخعي : هو الرجل يَهُمّ بالمعصية فيذكر الله فيدعها من خوفه.
الثانية : هذه الآية دليل على أن من قال لزوجه : إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق أنه لا يحنث إن كان هَمَّ بالمعصية وتركها خوفاً من الله وحياءً منه.
وقال به سفيان الثوريّ وأفتى به.
وقال محمد بن عليّ الترمذيّ : جنةٌ لخوفه من ربه، وجنةٌ لتركه شهوته.
وقال ابن عباس : من خاف مقام ربه بعد أداء الفرائض.
وقيل : المقام الموضع ؛ أي خاف مقامه بين يدي ربه للحساب كما تقدّم.
ويجوز أن يكون المقام للعبد ثم يضاف إلى الله، وهو كالأجل في قوله :﴿ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ ﴾ [ الأعراف : ٣٤ ] وقوله في موضع آخر :﴿ إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ ﴾ [ نوح : ٤ ].
﴿ جَنَّتَانِ ﴾ أي لمن خاف جنتان على حدة ؛ فلكل خائف جنتان.
وقيل : جنتان لجميع الخائفين ؛ والأوّل أظهر.
وروي عن ابن عباس عن النبيّ ﷺ أنه قال :" الجنتان بستانان في عرض الجنة كل بستان مسيرة مائة عام في وسط كل بستان دار من نور وليس منها شيء إلا يهتز نغمة وخضرة، قرارها ثابت وشجرها ثابت " ذكره المهدوي والثعلبي أيضاً من حديث أبي هريرة.
وقيل : إن الجنتين جنته التي خلقت له وجنة ورثها.
وقيل : إحدى الجنتين منزله والأخرى منزل أزواجه كما يفعله رؤساء الدنيا.
وقيل : إن إحدى الجنتين مسكنه والأخرى بستانه.
وقيل : إن إحدى الجنتين أسافل القصور والأخرى أعاليها.