إذا ثبت هذا فنقول : اجتماع النسوان للمعاشرة مع الأزواج والمباشرة في الفراش في موضع واحد في الدنيا لا يمكن، وذلك لضيق المكان، أو عدم الإمكان أو دليل ذلة النسوان، فإن الرجل الواحد لا يجمع بين النساء في بيت إلا إذا كن جواري غير ملتفت إليهن، فأما إذا كانت كل واحدة كبيرة النفس كثيرة المال فلا يجمع بينهن، واعلم أن الشهوة في الدنيا كما تزداد بالحسن الذي في الأزواج تزداد بسبب العظمة وأحوال الناس في أكثر الأمر تدل عليه، إذا ثبت هذا فنقول : الحظايا في الجنة يجتمع فيهن حسن الصورة والجمال والعز والشرف والكمال، فتكون الواحدة لها كذا وكذا من الجواري والغلمان فتزداد اللذة بسبب كمالها، فإذن ينبغي أن يكون لكل واحدة ما يليق بها من المكان الواسع فتصير الجنة التي هي واحدة من حيث الاتصال كثيرة من حيث تفرق المساكن فيها فقال :﴿فِيهِنَّ﴾ وأما الدنيا فليس فيها تفرق المساكن دليلاً للعظمة واللذة فقال
﴿فِيهِمَا﴾ [ الرحمن : ٥٠ ] وهذا من اللطائف الثالث : قاصرات الطرف صفة لموصوف حذف، وأقيمت الصفة مكانه، والموصوف النساء أو الأزواج كأنه قال فيهن نساء قاصرات الطرف وفيه لطيفة : فإنه تعالى لم يذكر النساء إلا بأوصافهن ولم يذكر اسم الجنس فيهن، فقال تارة :﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ [ الواقعة : ٢٢ ] وتارة :﴿عُرُباً أَتْرَاباً﴾ [ الواقعة : ٣٧ ] وتارة :﴿قاصرات الطرف﴾ [ الرحمن : ٥٦ ] ولم يذكر نساء كذا وكذا لوجهين أحدهما : الإشارة إلى تخدرهن وتسترهن، فلم يذكرهن باسم الجنس لأن اسم الجنس يكشف من الحقيقة مالا يكشفه الوصف فإنك إذا قلت المتحرك المريد الآكل الشارب لا تكون بينته بالأوصاف الكثيرة أكثر مما بينته بقولك : حيوان وإنسان وثانيهما : إعظاماً لهن ليزداد حسنهن في أعين الموعودين بالجنة فإن بنات الملوك لا يذكرن إلا بالأوصاف.
المسألة الرابعة :