ما المراد من السؤال ؟ نقول : المشهور ما ذكرنا أنهم لا يقال لهم : من المذنب منكم، وهو على هذا سؤال استعلام، وعلى الوجه الثاني سؤال توبيخ أي لا يقال له : لم أذنب المذنب، ويحتمل أن يكون سؤال موهبة وشفاعة كما يقول القائل : أسألك ذنب فلان، أي أطلب منك عفوه، فإن قيل : هذا فاسد من وجوه أحدها : أن السؤال إذا عدى بعن لا يكون إلا بمعنى الاستعلام أو التوبيخ وإذا كان بمعنى لاستعطاء يعدى بنفسه إلى مفعولين فيقال : نسألك العفو والعافية ثانيها : الكلام لا يحتمل تقديراً ولا يمكن تقديره بحيث يطابق الكلام، لأن المعنى يصير كأنه يقول : لا يسأل واحد ذنب أحد بل أحد لا يسأل ذنب نفسه ثالثها : قوله :﴿يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم﴾ [ الرحمن : ٤١ ] لا يناسب ذلك نقول : أما الجواب عن الأول فهو أن السؤال ربما يتعدى إلى مفعولين غير أنه عند الاستعلام يحذف الثاني ويؤتى بما يتعلق به يقال : سألته عن كذا أي سألته الإخبار عن كذا فيحذف الإخبار ويكتفي بما يدل عليه، وهو الجار والمجرور فيكون المعنى طلبت منه أن يخبرني عن كذا وعن الثاني : أن التقدير لا يسأل إنس ذنبه ولا جان، والضمير يكون عائداً إلى المضمر لفظاً لا معنى، كما نقول : قتلوا أنفسهم، فالضمير في أنفسهم عائد إلى ما في قولك : قتلوا لفظاً لا معنى لأن ما في قتلوا ضمير الفاعل، وفي أنفسهم ضمير المفعول، إذ الواحد لا يقتل نفسه وإنما المراد كل واحد قتل واحداً غيره، فكذلك ( كل ) إنس لا يسأل ( عن ) ذنبه أي ذنب إنس غيره، ومعنى الكلام لا يقال : لأحد اعف عن فلان، لبيان أن لا مسئول في ذلك الوقت من الإنس والجن، وإنما كلهم سائلون الله والله تعالى حينئذ هو المسئول.