ما وجه إفراد ( يؤخذ ) مع أن ( المجرمين ) جمع، وهم المأخوذون ؟ نقول فيه وجهان أحدهما : أن يؤخذ متعلق بقوله تعالى :﴿بالنواصي﴾ كما يقول القائل ذهب بزيد وثانيهما : أن يتعلق بما يدل عليه يؤخذ، فكأنه تعالى قال، فيؤخذون بالنواصي، فإن قيل كيف عدى الأخذ بالباء وهو يتعدى بنفسه قال تعالى :﴿لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ﴾ [ الحديد : ١٥ ] وقال :﴿خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ﴾ [ طه : ٢١ ] نقول : الأخذ يتعدى بنفسه كما بينت، وبالباء أيضاً كقوله تعالى :﴿لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي﴾ [ طه : ٩٤ ] لكن في الاستعمال تدقيق، وهو أن المأخوذ إن كان مقصوداً بالأخذ توجه الفعل نحوه فيتعدى إليه من غير حرف، وإن كان المقصود بالأخذ غير الشيء المأخوذ حساً تعدى إليه بحرف، لأنه لما لم يكن مقصوداً فكأنه ليس هو المأخوذ، وكأن الفعل لم يتعد إليه بنفسه، فذكر الحرف، ويدل على ما ذكرنا استعمال القرآن، فإن الله تعالى قال :﴿خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ﴾ في العصا وقال تعالى :﴿وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ﴾ [ النساء : ١٠٢ ] ﴿أَخَذَ الألواح﴾ [ الأعراف : ١٥٤ ] إلى غير ذلك، فلما كان ما ذكر هو المقصود بالأخذ عدى الفعل إليه من غير حرف، وقال تعالى :﴿لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي﴾ وقال تعالى :﴿فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام﴾ ويقال : خذ بيدي وأخذ الله بيدك إلى غير ذلك مما يكون المقصود بالأخذ غير ما ذكرنا، فإن قيل : ما الفائدة في توجيه الفعل إلى غير ما توجه إليه الفعل الأول، ولم قال :﴿يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم فَيُؤْخَذُ بالنواصي﴾ ؟ نقول فيه بيان نكالهم وسوء حالهم ونبين هذا بتقديم مثال وهو أن القائل إذا قال ضرب زيد فقتل عمرو فإن المفعول في باب ما لم يسم فاعله قائم مقام الفاعل ومشبه به ولهذا أعرب إعرابه فلو لم يوجه يؤخذ إلى غير ما وجه إليه يعرف لكان الأخذ فعل من عرف فيكون كأنه قال : يعرف المجرمين عارف


الصفحة التالية
Icon